تتّخذ جزيرة وايت شكل ألماسة في بحر المانش، وتبعد حوالي ثلاثة أميال عن البرّ البريطاني الأساسي. وبفضل موقعها وشكلها، تتوزّع الغيوم حولها بشكل مميز بينما تكون قادمةً من المحيط الأطلسي، ولهذا يغمرها الضوء الطبيعي. في الحقيقة، تُعتبر هذه الجزيرة أكثر منطقة مشمسة في المملكة المتّحدة، وتتمتّع بمناخٍ فريدٍ خاصٍّ بها، إذ يعزز انعكاس الضوء على المياه المحيطة من حدّتها، كما تمنع مياه البحر نفسها موجات البرد الشتوية وموجات الحرّ الصيفية من الوصول إلى الجزيرة. ويقول بول إنّ كلّ هذه العوامل تجعلها الموقع المثالي لزراعة الطماطم.
يتّخذ بول منصب مدير شركة آيل أوف وايت توميتوز، المتمركزة بجوار وسط الجزيرة في موقعٍ يغطّي 27 هكتاراً من الدفيئات، وكلّ منها تنتج صنفاً محدداً من الفاكهة. ويشير: "نزرع منتجاتنا بالأسلوبَين التقليدي والعضوي، لكنّنا نسعى إلى تحقيق التميّز من حيث النكهة. فهدفنا الأوّل هو زراعة طماطم فاخرة تتمتّع بمذاقٍ شهي." والطريقة الأمثل لفعل ذلك هي ترك الفاكهة على النبتة لأطول مدّة ممكنة "حتّى تنضج بشكلٍ كامل وتكتنز كلّ النكهات الغنية"، على الرغم من أنّ معظم المزارعين لا ينفّذون هذه الخطوة. بدأت زراعة الطماطم لأجل بيعها على الجزيرة في الستينيات، وما زال عدد من الدفيئات العائدة إلى تلك الحقبة قيد التشغيل حتّى يومنا هذا، ثمّ تمّ توسيع المواقع في الثمانينيات والتسعينيات وفي مطلع الألفيّة الثالثة.
في هذا الصدد، بدأ بول مسيرته هنا في العام 2007 تقريباً، في وقتٍ كان الشعب البريطاني قد "فقد حبّه للطماطم"، على حدّ تعبيره، لأنّ الأصناف التي كانت تُباع منها في السوبرماركت افتقدت للطعم الشهي إلى حدٍّ كبير.
"في تلك الفترة أطلقنا برنامجاً تجريبياً لتطوير الطماطم، فبدأنا بزراعة 150 إلى 200 صنف مختلف، لكننا لم نعرف أين نبيعها. كانت المتاجر البريطانية تتبدّل في تلك الفترة، وقد شهدت السوق افتتاح عددٍ من المتاجر الصغيرة في الأرجاء، ومنها متجر بورو في لندن. لهذا رسمنا خطّة، وقررنا أن نجلب الطماطم مباشرةً إلى المستهلك هنا، فأحبّها السكان كثيراً، لأنّها كانت زاخرة بالنكهات الشهية. عقدنا اجتماعاً في صباح كل يوم سبت مع منتجي الأجبان واللحوم الصغار الجدد في لندن، حيث بدأ المستهلكون الذوّاقة بالتوافد إلينا، حتّى أنّ الطهاة المشاهير راحوا يشترون منّا.
"بدأنا ندرك أنّ ما نفعله متميّزٌ بحقّ، وهكذا بدأنا نطوّر شركتنا والعلامة التجارية الخاصّة بها." منذ ذلك الحين، تواصل شركة آيل أوف وايت توميتوز اختبار أصناف جديدة من الطماطم بالتعاون مع مشاتل من مختلف أنحاء العالم، لاختيار الأفضل من حيث "اللون والقوام والشكل والحجم". تتم زراعة الأصناف قيد الاختبار على مدى موسمٍ كامل لرؤية كيفية نموّها، وطريقة صمودها أمام الحشرات الضارة والأمراض، وتحديد مذاقها، على يد لجنة خبراء تجتمع في الصيف.
وإذا حاز صنفٌ منها على تقييمٍ مرتفع، سيتمّ تمديد مدّة اختباره، قبل اتّخاذ القرار النهائي بزراعته لأجل البيع. ومن الأصناف الجديدة التي انتقلت مؤخراً إلى السوق نذكر صنفاً من طماطم بيف يتمتّع بلون أصفر من الخارج وأحمر داكن من الداخل، وصنفاً زهرياً من الطماطم اليابانية المهجّنة التي تتمتّع بقشرة رفيعة جداً.
ويؤكّد بول: "عندما تقطّعونها وتضيفون إليها القليل من الزيت والملح، تصبح وجبةً شهية بحدّ ذاتها". وبما أنّه لا يحبّ الحلويات كثيراً، يميل بول نحو الأصناف الأكبر والمالحة أكثر من الطماطم، ولكنّه يؤكّد أنّ كلّ صنفٍ من أصناف آيل أوف وايت تمّ اختياره ليشكّل وجبة متكاملة يحلو التلذذ به لوحده. "إذا اشتريتم علبة من ستة أصناف مشكّلة، ستشعرون بالفارق الواضح في مزايا كلّ منها، لكن يمكن استخدامها كلّها للطهي. نحن نحاول أن نغيّر منظور الناس إلى الطماطم، ليفهموا أنّها أكثر تميزاً من مجرّد مكونٍ يوضع على جانب الطبق أو يستخدم فقط في السلطات."
يتمّ شحن عددٍ من الأصناف الشهيرة المزروعة هنا إلى سبينس، منها طماطم الكرمة الكبيرة، والطماطم الكرزية من الكرم، والطماطم البرقوقية الكبيرة، فضلاً عن "المنتجات الفريدة" مثل طماطم بيف التقليدية. "نرسل إليكم بعضاً من أكثر الأصناف تميزاً مثل طماطم تيغريلا والطماطم البنية أيضاً. الحقيقة أنّ سبينس تعرض تشكيلة واسعة من المنتجات المتميزة بنكهاتها الشهية."
يستلم شخصٌ آخر يُدعى بول هاوليت عملية الزراعة بحدّ ذاتها، إذ طوّر خبرته في هذا المجال على مدى 37 عاماً. ويقول في هذا الصدد: "عندما بدأت العمل هنا، كانت الأراضي تمتدّ على هكتارين ونصف فقط، وكنت أظنّ أنّني سأعمل هنا لمدّة بضعة أسابيع فقط. منذ ذلك الحين وأنا أنجز كل المهام هنا، من قطاف، وتدريب، وتقليم... حتّى أنّني أنظّف سطح الدفيئات." وعلى مدى السنوات الـ15 الماضية، استلم إدارة قسم الإنتاج في شركة آيل أوف وايت توميتوز، فبات يشرف على المحاصيل التقليدية وتلك العضوية.
تُزرع المحاصيل التقليدية في أكياس مخصصة وتقدّم لها التغذية المناسبة، بينما تنمو تلك العضوية في تربة عضوية معتمدة، وتحصل على المغذيات بالطريقة الطبيعية، بدون أي مكونات اصطناعية أو مبيدات حشرات، ويشير بول: "لقد بذلنا جهدنا على مرّ السنوات لتطوير المكافحة البيولوجية." بعبارة أخرى: "لاستخدام الحشرات الجيدة لمكافحة الحشرات السيئة."
يرفع مغلّفاً يحمل عبارة إنكارسيا فورموسا، ويحتوي على بيوض الدبور الطفيلي المستخدم للتحكّم بالذباب الأبيض. "نضع هذه البيوض على النباتات في كلّ أسبوع من الموسم، وعندما تفقس تبدأ بالتغذي على الحشرات المؤذية." لكن البطل الأكثر أهمية في الدفيئات هو النحل الطنان، فبدونه "لا وجود للطماطم من الأساس".
"يهتم النحل بمهمّة تلقيح الطماطم هنا، ونحن نستخدمها منذ 30 عاماً تقريباً. قبل ذلك، كنّا نقوم بهذه المهمّة على الطريقة اليدوية، فنحرّك الشتول لإخراج الرحيق منها. أمّا الآن فقد سلّمنا هذه المهمّة إلى النحل، لأنّه ينفّذها بأسلوبٍ أكثر دقّة وفعالية."
من جهة أخرى، تمتاز طماطم آيل أوف وايت توميتوز عن غيرها بأنّها مزروعة في تربة مستدامة، فلا يتمّ تدوير المحاصيل، لأنّ كلّ محصولٍ نقطفه من الطماطم يليه محصولٌ آخر بعده مباشرةً. "كذلك، نعتني بالتربة بشكلٍ كبير، لتكون محاصيلنا صحية أكثر كلّ عام." تصنع الشركة السماد العضوي الخاص بها من النفايات التي تصدرها، وتستخدم قاعدة البيانات البيولوجية سترينغ بدلاً من البلاستيك الذي يستخدمه مزارعون آخرون، كما تستقدم ألياف جوز الهند المستدامة لزراعة الطماطم من مورّد متخصص في سيريلانكا.
"لا تمتلك هذه الألياف قيمةً غذائية بيد أنّها تتمتع بنسبة جيّدة من الهواء إلى المياه، فتساعد الجذور على النمو. يمكن استخدامها أيضاً في الأسمدة، ووضعها أسفل النبتة مع ألواحٍ قديمة لتزويدها بالكربون. فالتسميد يُعتبر بمثابة وصفة تبدّل فيها الكميات لتغذية التربة العضوية حتّى تنتج أفضل المحاصيل."
صحيح أنّ هذه المنطقة تمتاز بطقسها المشمس، غير أنّ الأمطار تتساقط فيها خلال أشهر الشتاء، فيتمّ جمعها عن أسطح الدفيئات وفي خزّانات لتغذية المزروعات في فصل الزراعة الأساسي. "نستخدم كمية زائدة من المياه لري المزروعات في الزراعة التقليدية، ثم نجمعها ونعقّمها ونمزجها مع المزيد من مياه الأمطار لتحقيق مستويات التغذية المطلوبة وريّ المحاصيل."
يستطيع بول إطلاع الزوّار على دورة حياة النباتات بشغفٍ وحبّ، فيروي له كيفية تطعيم البذور وربطها معاً وشقّها بزاوتين متداخلتين، وكيف يتمّ صفّ الشتول التي تبلغ 50 يوماً من العمر في الدفيئات لتزهر في غضون أسبوعين قبل تركها لتنضج لمدّة 10 إلى 12 أسبوعاً وصولاً إلى قطافها. تُزرع الشتول الموضوعة تحت الأضواء على الطريقة التقليدية في سبتمبر، قبل تلك المزروعة بدون أضواء، وذلك في دفيئات مصممة بشكلٍ مميز كانت الأولى من نوعها في بريطانيا، إذ تمّ تجهيزها بنظام إضاءة ليد بالكامل عام 2015.
"منذ ذاك الحين، نزرع محاصيل عالية الجودة تحت أضواء الليد هذه طوال فصل شتاءٍ، عندما تغيب أشعة الشمس عن الأجواء." تخيلوا جزيرة وايت خلال الليل، في أدكن الأشهر وأبردها، ثمّ تخيلوا القمر الكامل مشرقاً فوق الجزيرة التي تبدو كحجر ألماس في البحر الأسود، وفي قلبها دفيئة تتوهّج مثل مصباح وتحتضن تشكيلة واسعة من الطماطم بألوان متعددة وزاهية، هي أفضل أنواع الطماطم التي يمكن إنتاجها على هذا الارتفاع.
يقول المدير التجاري للمنتجات الزراعية في سبينس نيل غيبسون:
بدأنا نستقدم الطماطم من شركة آيل أوف وايت توميتوز في العام الماضي، وسرعان ما أبهرنا بتشكيلتها الواسعة، من ألوان وأصناف ونكهات مختلفة لم نرَ مثيلاً لها من قبل. ومؤخراً، أجرينا جلسة تذوّق استثنائية مع الفريق للمنتجات الحالية التي نستقدمها من العلامة حتى نختبر نكهاتها ونستمتع بها، كما اخترنا أصنافاً جديدة لنضمّها إلى مجموعتنا. ومن الأصناف الجديدة التي لا بدّ لكم من تجربتها في سبينس نذكر طماطم غولدن كور دو بوف التي تتمتّع بخطوط زهرية ونفحات من الشمام والحمضيات، وطماطم وابي سابي التي تحاكي صلصة البولونيز وأنا شخصياً ذُهلت بها، فضلاً عن طماطم فوجي التي تتمتّع بقوامٍ متماسك غني بالعصارة وتتمتع بنكهة استثنائية.
