يحتلّ العشب الأخضر مساحة كبيرة من مزرعة إيرثري كيرس وتقع على مقربة من قرية تسمى بجسر آلان في المنخفضات الوسطى لاسكتلندا، وذلك على مرمى حجرٍ من القلب التاريخي للبلد. هناك، تتعالى قلعة ستيرلينغ القديمة من بين المساحات الطبيعية الغنّاء، وتتربّع على صخرة من الكوارتز تلوح في الأفق القريب. وتقف هذه القلعة شاهدةً على معارك عدّة، إذ قاتل المحاربون الاسكتلنديون في العصور الوسطى على الأراضي المجاورة لها تحت قيادة ويليام والاس وروبرت بروس في مطلع القرن الرابع عشر، وفازوا في معركتَي جسر ستيرلينغ وبانوكبورن الشهيرتَين.
يتمتّع هذا الموقع برمزية خاصة بالنسبة إلى روبرت غراهام وعائلته، إذ أسّس فيه جدهّ وجدّته مزرعتهما بعد فترة وجيزة من زواجهما عام 1939، مع العلم أنّ جدّه الأكبر كان يعمل أيضاً في مجال الزراعة في هذه المنطقة. ويقول روبرت في هذا الإطار: "بدآ مسيرتهما بتربية عشرات الأبقار، وحلباها يدوياً، ووزّعا الحليب على كلّ القرية في عربة يجرّها حصان". وُلد والده في المزرعة بعد عام واحد فقط من تأسيسها، وترعرع في كنفها ليتولّى مسؤولية إدارتها عندما يحين الوقت.
ويضيف في السياق نفسه: "وسّع نطاق عمله إلى وسط اسكتلندا، وما انفكّ يوسّع محفظة أعماله منذ ذلك الحين." يتولّى حالياً روبرت مع شقيقته كارول إدارة شركة غراهامز العائلية لمشتقات الألبان. وتقوم هذه الأخيرة بتوصيل الحليب الطازج ومنتجاتها من مشتقات الألبان إلى جميع أنحاء اسكتلندا وإنجلترا، كما تصدّرها إلى خارج البلد إلى تجار التجزئة مثل سبينس في الإمارات العربية المتحدة. ويبلغ عمر والدهما روبرت الأب 83 عاماً، ولكنّه لا يزال يقطن على مقربة من المصنع ويزوره يومياً.
يقول روبرت جونيور: "نولي اهتماماً كبيراً بالحفاظ على هذه الشركة العائلية." كان يتحدّث وسط تعالي خوار قطيعه الذي كان في الحظيرة في وقت زيارتنا للمزرعة في أوائل الربيع. ويتابع كلامه قائلاً: "كما ترون، هذه أبقار رائعة من فصيلة جيرزي، وتبدو جميعها سعيدة للغاية. ولا شكّ أنّ المنتجات عالية الجودة تتطلّب حليباً عالي الجودة كذلك. ولا يمكن تحقيق ذلك من دون الاهتمام بالأبقار، منذ ولادتها. ومن هنا يبدأ كلّ شيء."
ويضيف قائلاً إنّ هذه الأبقار تبقى في حظيرتها في الأيام الباردة حتى شهر مايو، ثم تخرج إلى الحقول خلال الأشهر الأكثر دفئاً وجفافاً لغاية شهر سبتمبر أو أكتوبر حين تنخفض درجة الحرارة وتصبح الأرض رطبة جداً مرة أخرى. وترتفع درجات الرطوبة كثيراً في هذا الجزء من اسكتلندا. ويقول روبرت: "يقول والدي إنّه مع كلّ ميل تقطعه شرقاً من مزرعتنا، تقلّ الأمطار بمقدار إنش واحد سنوياً. والعكس صحيح عند التوجّه غرباً." ومن شأن هذه الكمية الكبيرة من الأمطار أن تساعد العشب على النمو، ما يغذّي الأبقار ويحسّن جودة الحليب نفسه الذي تُصنع منه كلّ المنتجات الأخرى.
في سبينيس مثلاً، طرحت علامة غراهامز عبوات وأكياس الزبادي الغنية بالبروتين والمتوفّرة بنكهات مختلفة، منها المانغو والبابايا والباشن فروت وغيرها، وأثبتت جدارتها حيث اكتسبت شعبية كبيرة في سوق الإمارات العربية المتحدة. كما تُعتبر المنتجات المثالية للعملاء الذين يبحثون عن طرق سهلة للحصول على جرعة من البروتين أثناء التمتّع بنكهات شهية. أمّا الآن، فتوسّع الشركة تعاونها مع علامة سبينس ليشتمل على إنتاج الزبدة القابلة للدهن والكريمة الحامضة وجبنة القريش تحت راية علامة سبينس فوود.
في السياق نفسه، يقول روبرت: "قد يبدو إنتاج الزبدة أمراً بسيطاً، ولكنّه يستلزم اختيار أفضل كريمة طازجة ثم خفقها تبعاً للطرق التقليدية. أمّا لإعداد الكريمة الحامضة، فنأخذ الكريمة الطازجة ونعالجها بالمستنبتات لمدة ستّ إلى ثماني ساعات لنضفي عليها نكهة لبنية رائعة، ثمّ نقوم بتعبئتها في العبوات."
في المقابل، أصبحت جبنة القريش منتجاً مشهوراً بلمح البصر، ويعود ذلك إلى أسباب عدّة منها آخر الصحيات التي تقضي بعرض استخدامات ووصفات هذه الجبنة على وسائل التواصل الاجتماعي. ويضيف قائلاً: "نصنع جبنة القريش من الحليب منزوع الدسم، وتعتمد عملياتنا على طريقة تقليدية أخرى تقضي باستخدام الأوعية المفتوحة إذ نؤمن أنّها تضفي عليها قواماً رائعاً يشبه الخثارة، فما عليكم سوى إضافة القليل من الصلصة إليها للتلذّذ بأشهى النكهات. ولطالما كانت هذه الجبنة عنصراً أساسياً في كلّ مطبخ، ولكن في الأشهر الـ12 الماضية، ازداد الاهتمام بها بشكلٍ كبير. وارتفعت مبيعاتها بنحو 40 بالمئة بفضل الفيديوهات المنشورة على منصة تيك توك حيث يستعرض الأشخاص مختلف استخدامات هذه الجبنة. ونذكر أحد الأمثلة على ذلك عجينة الكوكيز بجبنة القريش مع زبدة الفول السوداني التي صنعتها بنفسي وكانت لذيذة جداً."
والجدير بالذكر أنّ الطلب على منتجات غراهامز تزايد بشكلٍ هائلٍ، ما فرض على العلامة تحقيق نمو موازٍ له، وهذا ما حصل على مدى العقود الماضية. ومع العلم أنّ غراهامز لا تزال شركة عائلية لمشتقات الألبان تحلب أبقارها يدوياً، غير أنّ المزرعة الأساسية عمدت إلى استقدام الحليب الطازج وعالي الجودة من شبكة واسعة من المزارع المماثلة لها.
وصرّح قائلاً: "نتعاون الآن مع حوالي 100 مزرعة أخرى في جميع أنحاء اسكتلندا. لقد بدأنا العمل مع مزرعتين فقط منذ حوالي 30 عاماً، وازداد هذا العدد على مرّ السنين، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه المزارع تديرها عائلات، مثلنا تماماً، فنعرف كلّ مَن ساهم في منتجاتها، من آباء وأمهات وأبناء وبنات، كما لو أنّنا انتقينا الأشخاص الذين نودّ العمل معهم. وتصلنا ثلاثة أصناف من الحليب وهي الحليب العادي، والعضوي المخصّص لبعض المنتجات، وحليب أبقار جيرزي لمنتجاتنا الفاخرة."
أمّا إذا كان طفلاه سيسيران على خطاه في هذا المجال، فما زال الوقت مبكراً على جزم هذا الأمر إذ لا يزالان في مرحلة الدراسة، علماً أنّ ابنة روبرت ترغب في دراسة التسويق ما قد يعود بالفائدة على العلامة ومنتجاتها في المستقبل. يأخذنا روبرت في جولة حول بيت المزرعة حيث ولد والده، من غرفة الطعام إلى القاعة التي كانوا يسمونها "غرفة الجلوس الذكية"، وغالباً ما يقصد هذا المكان للتأمّل في تاريخ عائلته العريق.
يتذكر روبرت طفولته في هذا المنزل وفي جواره، ويقول: "أحمل الكثير من الذكريات الجميلة عن نشأتي في المزرعة، وخروجي إلى الحقول الغنّاء في صغري برفقة جدّي وأبي لإحضار الأبقار، ومساعدتهما في توليدها، فضلاً عن قيادة الجرارات والعمل في المزرعة في حلب الأبقار." ولا يختلف اثنان على أنّ الكثير تغيّر منذ ذلك الحين في هذه المزرعة بالذات وفي المجال ككلّ.
ولكن ما زالت الأغراض والأهداف منه هي نفسها، فيعتمد هذا المجال على مياه الأمطار والعشب والأبقار والحليب نفسه، لتنتقل مشتقات الألبان من الريف الاسكتلندي وتصل إلى كافة أنحاء العالم، وهو وعدٌ لطالما التزمنا بالوفاء به.
المدير التجاري الجديد
بحسب أقوال بول كروفورد
صبّت شركة غراهامز العائلية لمشتقات الألبان تركيزها على الابتكار خلال السنوات القليلة الماضية. واكتسحت عدداً كبيراً من الصيحات، لاسيّما في ما يخص ابتكار منتجات ألبان غنية بالبروتين في عبوات وأكياس. وتسنّت لنا فرصة العمل حصرياً مع علامة غراهامز نظراً لغياب منتجاتها عن السوق الإماراتية. كما نتعاون معها لابتكار منتجات تحمل علامات تجارية خاصة بنا لأنّها تعتمد معايير جودة تتوافق تماماً مع معاييرنا، ونذكر من هذه المنتجات الزبدة القابلة للدهن التي تصنعها علامة سبينس وتمتاز بمذاق لا يُضاهى.