يُستخدم التقييم الحسي لتحديد المزايا الحسية للمنتجات الطازجة، مثل طعمها ورائحتها وقوامها ومظهرها، من أجل تحديد مدى جودتها وطزاجتها
لنتحدّث مثلاً عن التوت الأزرق. عندما تشترون حبّة من الفاكهة، تكونون قد اختبرتم صنفاً من الأصناف الكثيرة المتوفرة منها في السوق. ولئلّا تحتاروا في الاختيار، قرّرت سبينس أن تنتقي بنفسها الأصناف التي ستشتريها من كلّ نوع، بعد أن تجمع لجنة خاصة لتحديد المزايا الحسية لكلّ صنفٍ جديد يدخل السوق.
والأكيد أنّ المدير التجاري للمنتجات الزراعية في سبينس نيل غيبسون هو فردٌ أساسي في هذه اللجان المهمّة. ويقول: "نحن نراعي قوام النكهات وتوازنها، ونحلّل نسبة الحلاوة والسكّر، فضلاً عن الحموضة والقوامات والشعور في الفم ونسبة العصارة وغيرها من المعايير."
تجتمع كلّ هذه العناصر معاً لتشكيل المواصفات الحسية لمنتجٍ معيّن، وهي تحفّز ردود الفعل الحسية وتحدّد مذاقه الشهي. وفي حالة التوت الأزرق، ينصح نيل بنوع محدد تمّ اختياره مؤخراً يحمل اسم بوب، كان قد تمّ إنتاجه من خلال برنامج سيكويا لزراعة التوت الأزرق في فول كريك في أوريغون بالولايات المتحدة الأميركية.
"يستوفي هذا الصنف عدداً كبيراً من المعايير الأساسية، إذ يتمتّع بقوام مقرمش ولمسة حلاوة مثالية كما أنّه غني بالعصارة. ولكنّه يتمتّع بمذاق أكثر حدّة قليلاً من الأصناف الأخرى، لذا قد لا يناسب ذوق الجميع، غير أنه بالإجمال النوع الأفضل الذي رأينه هذا العام وقد قررنا أن نشتري كميات كبيرة منه."
طوّر نيل وأعضاء آخرون من فريقنا مهاراتهم من خلال اكتساب الخبرة، في وقتٍ بات دور خبراء التقييم الحسي أكثر تأثيراً في اختيار أفضل الخضروات والفواكه، لتلبّي أذواق مروحة كبيرة من المتسوقين، وبهذا تجعل المنافسة أكثر حماسةً.
"نسعى في سبينس إلى التطور والتحسّن، ونمضي وقتاً طويلاً في تطوير حاسّة ذوقنا، حتّى تحافظ على دقّتها في تذوّق المنتجات التي سنقدّمها إلى العملاء." على سبيل المثال، قررت زميلته أنجيليك دو توا أن تركّز حاسة ذوقها على تحديد أفضل أصناف الطماطم.
في هذا الصدد تقول أنجيليكا: "عندما تعمل في هذا القطاع على مدى عدّة مواسم، وفي عدّة أقسام، ثمّ تبدأ بتذوّق منتجٍ واحد يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً، تبدأ بالإحساس بحموضته وحلاوته ونكهاته. وعندما يتمّ إحضار الطماطم إلينا، نتذوّقها معاً ثمّ نعطي رأينا التقييمي بها، وقد تعلّمت الكثير من شركات بيع البذور عن طريقة تهجين الأصناف. والأكيد أنّ الذوق يتطوّر مع تطوّر القطاع، ومع دخول نكهات جديدة عليه.
وقد تذوّقنا طماطم من جزيرة وايت لصالح سبينس، تتمتّع بمذاقات فريدة تختلف اختلافاً كبيراً عن الأصناف التي اعتدنا تناولها في السنوات الخمسة الماضية."
وعند إجراء مثل هذا الاختبار الميداني، عادةً ما يشترك فيه نيل وأنجيليك فضلاً عن ممثلين فنيين وتجاريين عن المورّد المعني، في حين قد يضمّ التقييم في المكتب الرئيسي ما يصل إلى 20 موظفاً.
"نستخدم هذه التقنية للمنتجات الفاخرة على وجه الخصوص، عندما نحاول التحقق من موافقة العملاء على اعتبار أحد المنتجات أعلى جودةً من منتجٍ آخر." بعبارة أخرى، إنّ الإجماع على منتجات سبينس المميزة مطلوبٌ وضروري، حيث تنتقي العلامة ألذّ وأجود المنتجات المتوفّرة لتعبئها تحت راية علامة ذهبية خاصة. ومن أحدث الأمثلة على ذلك نذكر مجموعة أفا ماغنوم® من الفراولة المستوردة حديثاً من اسكتلندا. "لقد استقدمناها للمرة الأولى في العام الماضي ونالت رضانا عن جدارة، حيث تمتاز بمذاق أعمق وأغنى من الفراولة العادية، فيما تحتوي على مستويات أعلى من السكّر."
وتُحدّد هذه المستويات وفقاً لمقياس البريكس الذي يحتسب تركيز السكّر المُذاب/السكروز، فيحدّد حلاوة المنتجات الطازجة بفعالية عالية. هذا ونستخدم أداة تُدعى مقياس الانكسار وتوفّر قراءة تجريبية لنسبة الحلاوة في المنتج، لكنّ نيل يقول إنّ الفريق يحبّ التخمين أولاً وفقاً للذوق وحده، لمعرفة ما إذا كان التخمين يطابق المقياس الرسمي.
"إذا كان مذاقه حلواً، عادةً ما يتطابق مع نتيجة المقياس، فإنّ القراءة تدعمنا بالفعل. أمّا إذا كانت القراءة غير متطابقة، فقد تكون مستويات الحموضة هي التي تخفي الحلاوة وتحول دون ظهور نتيجة البريكس، وقد يضفي ذلك عمقاً إضافياً على النكهة. والجدير بالذكر أنّ البريكس يحظى بأهمية كبيرة عندما يتعلق الأمر بالأرض، فهو مركب من العوامل البيئية ألا وهي التربة والمناخ والتضاريس وما إلى ذلك، ويُستخدم الآن في سياق صناعة النبيذ ولكنّه لا يقل شأناً في زراعة الفاكهة.
ويقول نيل في هذا الإطار: "دائماً ما يخبرنا المزارعون أنّ البريكس يتأثّر بالأحوال المناخية، فإذا كان الطقس بارداً، تتراكم السكّريات بوتيرة أبطأ، وإذا كان الطقس أكثر دفئاً، يعتقدون أنّ الشمس هي التي ترفع مستوى السكريات. من هنا نستنتج طرقاً مختلفة لتحقيق الهدف نفسه". وقد يؤدي تغير المناخ إلى حصول فوضى في مستويات بريكس، كما فعلت الأعاصير الأخيرة ببرتقال فلوريدا مثلاً.
علاوةً على ذلك، قد تؤدّي مثل هذه الأحداث إلى زيادة الاعتماد العام على مراكز التكنولوجيا الزراعية مثل بيور هارفست في دبي، وهي محطة زراعة تقع في الصحراء ويمكن التحكّم في مناخها بالكامل للحفاظ على انتظام الظروف المناخية بهدف إنتاج أطعمة أساسية مثل الطماطم، في حين يعاني المزارعون الإسبان أو البريطانيون آثار التقلبات والمتغيرات المناخية المحلية. من وجهة نظر سبينس، يكمن الهدف في توفير القدرة على التكيف التي تسمح بالتحوّل السريع والفعّال إلى أفضل المصادر وخطوط الإمداد المتاحة.
من وجهة نظر المستهلك، يجدر التساؤل عما إذا كان المستهلك العادي يفهم ويعي التفاصيل الدقيقة للتقييم الحسي، فيما يتعيّن على الخبراء في المقابل تدريبهم على التمييز ما بين المذاقات. فهل يستطيع معرفة الفرق، ما إذا كانت أكثر حلاوة أو حدّة أو انتعاشاً؟
ويضيف نيل: "لنصف الأمر على هذا النحو. عندما اتخذنا القرار باستقدام منتجاتنا من ألذ المصادر، ازدادت مبيعاتنا بشكل كبير. وابتعدنا عن الفراولة المزروعة في الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تركز على مدة الصلاحية أكثر من مذاقها. واستقدمنا من المملكة المتحدة توتاً أكثر طراوة وعصارةً يحلو التلذّذ به، فتضاعفت مبيعاتنا في السنوات الأربعة الماضية. وثمّة أيضاً أسباب أخرى لذلك، ولكن السبب الرئيسي هو المذاق، وهذا هو ما يجعل العملاء يختارون منتجاتنا في كلّ مرة."