أتم دانيل نيومان ترجمة كتاب طبخ يعود للقرن الخامس عشر بعنوان ’وليمة السلطان‘ للعلامة المصري ابن مبارك شاه. نستقصي بعض التفاصيل في حوارنا معه...
هل يمكنك مدّ قرائنا ببعض المعلومات حول كتاب ’وليمة السلطان‘ للعلامة المصري ابن مبارك شاه؟ ما الذي يمكن توقعه من قراءة هذا الكتاب؟
إنه كتاب طبخ صدر في مصر في القرن الخامس عشر ويحتوي على 332 وصفة، معظمها لأطباق مالحة وحلوة، كما يتضمن تعليمات لإعداد المخلل، والتوابل، وحتى بعض العطور، ومعطرات النَفَس، وعلاجات لمكافحة الغثيان. وباختصار، كل ما يحتاجه المرء لتعزيز تجربة تناول الطعام.
لا يُعرف الكثير عن المؤلف ابن مبارك شاه، سوى أنه كان علامة وشاعرًا معروفًا في عصره. لم يكن طاهيًا، ولكن يمكننا تخمين بعض الأسباب التي دفعته لتأليف هذ الكتاب. في المقام الأول، من المحتمل أن الكتاب يجمع وصفاته المفضلة، إذ يشير من وقت لآخر إلى أطباق كان يطلب من طاهيه إعدادها. يتضمن الكتاب أيضًا العديد من النصائح العملية حول استبدال بعض المكونات بأخرى أقل تكلفة، أو شراء بعض المكونات الجاهزة، تمامًا كما نتوقعه من كتب الطبخ المعاصرة. ثانيًا، نجد عنصر الحفاظ على إرث تاريخي، كون العديد من الوصفات تذكرنا بمآدب القصور القديمة.
لماذا توليت مهمة ترجمة هذا الكتاب؟ ما الذي حثّك على خوض هذا التحدي، وكم من الوقت استغرق استكماله؟
نبع ذلك من شغفي في الطعام، والتاريخ، والعالم العربي. كنت قد أجريت سابقًا بعض البحوث حول الطب الإسلامي في العصور الوسطى، وبالطبع كانت هنالك العديد من الإشارات إلى الأغذية نظرًا لدورها الكبير في العلاج الطبي. من المنظور التاريخي، تعتبر تقاليد فن الطبخ العربي من الأقدم والأكثر ثراءً في العالم. وبالإضافة إلى واقع أن أقدم كتب الطبخ العربية تسبق تلك التي أعدت في أوروبا بعدة قرون، فإن التقاليد العربية تبرز أيضًا من ناحية وفرة الوصفات التي يتجاوز عددها أربعة آلاف وصفة في ما صمد من كتب طبخ تعود إلى الفترة ما بين القرنين العاشر والخامس عشر.
استغرق استكمال المشروع ككل حوالي خمس سنوات. لقد كانت رحلة مشوقة للغاية، وتضمنت نقل المخطوطات إلى المطبخ، إذا جاز التعبير، حيث شرعنا في إعادة تنفيذ الوصفات في المنزل. في الواقع، كان ذلك مفيدًا للغاية لأنه علمني الكثير عن إبداع طهاة العصور الوسطى وكفاءتهم، وبالطبع، فقد أعادة هذه التجربة إحياء الماضي بطريقة مثيرة للغاية، حتى أنني أنشأت مدونة لتوثيق عمليات إعادة تنفيذ الوصفات (eatlikeasultan.com).
خلال عملية إعادة تنفيذ الوصفات، هل كانت لديك وصفة مفضلة؟
أجل، بل العديد منها. كما واجهت بعض الكوارث، ليس من ناحية الطبخ وإنما من ناحية الطعم. ولكن هنالك العديد من الأطباق التي أستمتع جدًا بها: اليخنات، والرمان، ويخنات الفواكه، مثل يخنة البرتقال الحامض ويخنة الليمون. هنالك العديد من الأطباق الرائعة.
أعتقد أنك واجهت أيضًا بعض المفاجآت غير المتوقعة في أثناء عملك على الكتاب؟
أدّى بحثي حول كتاب ’وليمة السلطان، إلى بعض المكافآت الأخرى غير المتوقعة، وكان أولها العثور على مخطوطة إضافية لكتاب طبخ يعود إلى القرن الثالث عشر كتبه مسلم من إسبانيا. أما الاكتشاف الثاني، فكان سبقًا أكثر إثارة، فقد أدّى إلى اكتشاف كتاب طبخ لم يكن معروفًا من قبل، ما زاد عدد مجموعة الوصفات ببضع مئات، كما أنه ألقى ضوءاً جديدًا على تطور تقاليد فن الطبخ العربي.
ولعل أكبر اكتشاف، إذا جاز التعبير، هو كتاب الطبخ الجديد هذا الذي عثرت عليه عن طريق الصدفة المحضة، كما تجري هذه الأمور عادة. لقد كان ضمن مجموعة رسائل دوائية في المكتبة البريطانية، كنت قد بدأت قراءتها لأنها ذكرت الطعام. ثم اتضح أنه نص جديد. وما الذي يجعله استثنائيًا إلى حد أكبر؟ عند النظر في الوصفات، وجدت أنها من أقدم تقاليد الطبخ، سواء من ناحية نوعها، أو واقع أنها تحتوي على الكثير من المعلومات الطبية التي تعد جزءًا من هذا التقليد القديم جدًا؛ ذلك التفاعل بين الطب الجالينوسي، والنظرية الخلطية، والغذاء. كما أن المصطلحات ارتبطت بالفعل بالنصوص الأولى التي تعود لما قبل القرن الثالث عشر.
ومن العناصر المثيرة للاهتمام في المخطوطة أنها كتبت بالخط المغربي، أي أنها كتبت، أو يجدر القول أنها نسخت، بيد شخص من شمال أفريقيا. لا ندري أين تم نسخها، كما أنها ليس مؤرخة. ولكن هذا الأمر يثير نقطة أخرى مُلفتة للغاية حول واقع انتقال النص، انتقال الأطباق عبر منطقة المتوسط.
أثناء العمل على هذا الكتاب، هل صادفت بعض المفاجآت أو الرؤى التي يمكنك مشاركتها؟
أعتقد أن القراء قد يفاجؤون ببعض العناصر التي صمدت عبر القرون. لنأخذ معدات المطبخ على سبيل المثال، فنرى أن أنواع التنور والأفران المختلفة ما تزال متواجدة لغاية الآن، حتى ولو لم تعد قيد الاستعمال بالقدر نفسه. كما أن هنالك بعض الأطباق التي بالكاد مسّها التغيير، مثل الشيش برك، والكعك، والثريد، والكشك، والهريسة، والزلابية. لقد طرأت عبر القرون بعض التعديلات على قسم من الوصفات؛ في القرون الوسطى، كانت السمبوسة تعدّ غالبًا كطبق حلو، وليس كطبق مالح، أما الكنافة، فكانت تعدّ بالمكسرات (وليس بالجبن) وعن طريق تقطيع صفائح عجين رقيقة مخبوزة. أما المهلبية، فهي بحد ذاتها مثيرة للاهتمام، إذ تعدّ في يومنا هذا كتحلية قشدية القوام، لكنها كانت تعد أصلاً بالأرز واللحم!
من ناحية أخرى، من الملفت أن العديد من الوصفات التي تجسّد العصور الوسطى لم تصمد أمام اختبار الزمن. وإني أشير بشكل خاص إلى أطباق اليخنة، والتي ربما كانت تشكل الجزء الأكبر من أطباق العصور الوسطى، غير أنها اليوم لا تحظى بالشعبية نفسها في المطابخ العربية. أما العنصر الآخر الذي يتبادر إلى الذهن، فهو نسبة الأطباق الكبيرة التي يدخل في إعدادها الخل، الذي كانت نكهته مُرضية بشكل خاص في القرون الوسطى.
أما نقطة الاختلاف الكبرى، فتتمثّل بالطبع في عدم وجود المكونات التي أدخلت من الأمريكتين نتيجة ما يسمى بالتبادل الكولومبي، مثل البطاطا، والطماطم، والفلفل الحلو، والفلفل الحار، وما إلى ذلك. لا نعرف كيف ومتى بالضبط بدأ استخدام هذه المكونات في الطبخ العربي، ويرجع ذلك لأن آخر كتاب طبخ عربي يعود لما قبل القرن التاسع عشر كان قد صدر قبل انطلاق كولومبوس في رحلته. وعلى الرغم من أن هذه المكونات غيرت معالم الطبخ العربي إلى حد كبير، إلا أن النكهات الأصلية لم تتوارَ، فقد استمر استخدام العديد من التوابل الأساسية التي سادت في الماضي، مثل الزنجبيل والكزبرة.
يكشف كتاب ’وليمة السلطان‘ أيضًا عن البُعد العالمي الذي اتسم به الطبخ العربي في العصور الوسطى، في ظل انتقال أطباق على امتداد الإمبراطورية الإسلامية. ويحتوي الكتاب، على سبيل المثال، على وصفة لطبق الكسكس الشمال أفريقي.