لؤلؤة أفريقيا

لؤلؤة أفريقيا

السفر – 16.09.24

تُعتبر أوغندا وجهة يتمنّى كثيرون زيارتها بهدف رؤية الغوريلا الجبلية المهددة بالانقراض. وقد جهّزت هيلين فارمر نفسها وحضّرت أدوية المالاريا قبل الانطلاق في رحلة من العُمر

Helen Farmer
Helen Farmer
الكاتب

يختلف مفهوم العطلة من شخصٍ إلى آخر. فقد يرى البعض أنّ العطلة المثالية تكمن في الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي أو ممارسة تمارين اليوغا لمدّة أسبوع أو تناول المشروبات بكميات غير محدودة بجانب المسبح الفيروزي أو خوض رحلة إلى وجهة بعيدةً. أرى أنّ كل هذه الأفكار رائعة، وأعتقد أنّ العطلة المثالية بالنسبة إلي تتمثّل في الإقامة بين أحضان فيلا في جزر المالديف، ولكنّني أسعى أيضاً إلى خوض مغامرة استثنائية مرّة واحدة في السنة على الأقلّ.

تسنّى لي الابتعاد عن زوجي وأولادي للانطلاق في عطلة إلى بلدٍ لم أزرها من قبل واختبار تحدٍّ جديدٍ فيها.

في الماضي، تسلقّت قمّة جبل كليمنجارو وجبل كازبيك الجليدي في جورجيا، ولكنّني أردت هذا العام التجوّل وسط الغابات، واستكشاف الحياة البرية على وجه الخصوص، لاسيّما الأسود، وأفراس النهر والقرود وغيرها من الحيوانات الرائعة!

سافرت مع شركة "ساميت إكسبديشنز" المُتمركزة في دبي والمتخصصة في رحلات تسلق الجبال بإدارة شون وكارولاين، اللذين حطما الأرقام القياسية العالمية وتسلقا بعضاً من أبرز القمم الجبلية حول العالم. إلاّ أنّ الهدف من هذه الرحلة كان استكشافيّاً أكثر من اعتباره مغامرة لتسلّق المرتفعات، لكنني شعرت بالتقدير لجهودهما في التواصل مع أشخاص من أوغندا لوضع برنامج محدد للرحلة وتوفير فرصة السفر مع أشخاص متشابهين في التفكير.

سبعة أيّام لاستكشاف كل تلك العظمة؟ قبلت التحدّي.

اليوم الأوّل

تسيّر شركة طيران فلاي دبي رحلات إلى مدينة عنتيبي، وأنصحكم بصرف عملاتكم الأجنبية قبل الوصول إلى أوغندا. تتقدّم الإمارات العربية المتحدة على أوغندا بساعة واحدة فقط. وفور وصولنا إليها، استقبلنا كل من بيتر وجايمس وأودنس، من شركة "وايلدلايف أدفنتشر سافاريز" لرحلات السياحة المحلية، فيما علت الابتسامة وجوههم لأخذنا في جولة بسيارات لاند كروزر مجهّزة بقاعدة عجلات طويلة. وبعد التوقف لتناول الغداء، حان الوقت للتغلغل عبر المساحات الخضراء الغنّاء إلى أوّل نزل سنقيم فيه على سفح الجبل.

اليوم الثاني

جاء اليوم الذي سنرى فيه حيوان الشيمبانزي في منتزه كيبالي الوطني. تجهّزنا جيّداً لخوض هذه المغامرة حيث ارتدينا كمامة، وتركنا الطعام في السيارة، ثمّ عبرنا وسط الغابة الكثيفة لنجد عائلة من الشيمبانزي، التي كانت تتنقّل بين الأشجار وتصرخ فوق رؤوسنا. يبدو أنّ موسم التزاوج قد بدأ. كانت بعض حيوانات الشيمبانزي تصدر أصواتاً صاخبة، بينما كان البعض الآخر يستلقي على غصن شجرة ويراقبنا مستغرباً، فيما تأملنا بجمالها.

ارتسمت الابتسامات على وجوهنا فيما كنّا نتجوّل عبر قرية قريبة من الغابة حيث شاهدنا حصاد حبوب البن التي تتمتع بنكهة لذيذة وقوية وطريقة تحميصها، وقابلنا طبيباً شعبيّاً لديه بعض الوصفات العلاجية المبتكرة للأمراض الشائعة، وقد عرضها علي ولكنني رفضتها بكل أدب. وقمنا أيضاً بزيارة "دنيس ذا بانانا مان" الذي اشتهر على تيك توك بطريقة تقشير الموز، فضلاً عن تحويله إلى بعض المشروبات المنشّطة التي استمتعنا بتذوّقها بكل حماس.

اليوم الثالث

ولأنّ ساقاي كانتا تؤلمانني من أنشطة اليوم الفائت، كان لا بدّ لي أن أنطلق في رحلة اليوم بالسيارة. ويا لها من رحلة! توجّهنا إلى منتزه الملكة إليزابيث الوطني التي تُعدّ موطناً للأسود، والفهود، والفيلة، والجواميس، والنسور وظباء المياه، والخنازير الأفريقية الوحشيّة وغيرها. وفي غضون دقائق من وصولنا، استطعنا رؤية اثنين من ذكور الأسود يتجوّلان بهدوء عبر السافانا قبل أن يتوقّفا أمام سياراتنا لشرب القليل من المياه. وبعد ذلك بفترة قصيرة استطعنا رؤية الفيلة، ثم بعد مرور بضع ساعات، أدهشنا عدد الحيوانات البرّية المبهر جميعاً حتى المسافرين المتمرّسين منّا.

وفي فترة بعد الظهر من ذلك اليوم، انطلقنا في رحلة على متن قارب يحمل اسم "ذا هيبو" حيث استطعنا رؤية التماسيح، وعائلات أفراس النهر، والفيلة التي تستمتع بوقتها وسط المياه، واستقبلتنا عند عودتنا إلى اليابسة مجموعة من النُموس.

اليوم الرابع

انطلقنا في رحلةٍ جديدةٍ بالسيارة لاستكشاف ريف البلاد، حيث تتواجد مزارع الشاي، والطرقات المتعرّجة والوديان الشبيهة بتلك التي يتحدّث عنها الكاتب تولكيان في رواياته. استغرقت رحلتنا ست ساعات، ولكن نسينا كلّ هذا التعب فور وصولنا إلى الغابة العذراء في منتزه بويندي، التي تُعتبر موئل الغوريلا الجبلية.

فريق شركة "ساميت إكسبديشنز"	| استكشاف الطبيعة عن كثب | هيلين فارمر| رحلة من العمر
فريق شركة "ساميت إكسبديشنز"	| استكشاف الطبيعة عن كثب | هيلين فارمر| رحلة من العمر
فريق شركة "ساميت إكسبديشنز"	| استكشاف الطبيعة عن كثب | هيلين فارمر| رحلة من العمر
فريق شركة "ساميت إكسبديشنز"	| استكشاف الطبيعة عن كثب | هيلين فارمر| رحلة من العمر
فريق شركة "ساميت إكسبديشنز" | استكشاف الطبيعة عن كثب | هيلين فارمر| رحلة من العمر

اليوم الخامس

كان الغموض يسيطر على أجواء المخيّم منذ لحظة استيقاظنا عند الساعة الخامسة والنصف فجراً، مروراً بتناول الطعام في الظلام بسبب كثرة انقطاع التيّار الكهربائي، وصولاً إلى ملء حقائبنا بالأطعمة والسوائل الغنية بالإلكتروليت. وكلّ ما جال في بالنا كان سؤال واحد... هل سنتمكّن من رؤية الغوريلا الجبلية فضّيَّة الظهر اليوم؟

قبل الانطلاق في هذه المغامرة، يخبرك حرّاس الأحراج بأنّ مصادفة مجموعة غوريلا من هذا النوع قد يستغرق وقتاً طويلاً، وقد يتطلّب ذلك بين الخمس أو الست ساعات من المشي وسط الغابة في مجموعات مقسّمة بحسب المستويات المختلفة. التحقت بمجموعة القدرات المتوسطة/المتقدمة إلى جانب عائلة أمضت الليلة السابقة في خيمة قريبة منّا، قبل أن تغادر المكان. وقد حالفنا الحظّ في رؤية مجموعة الغوريلا الجبلية بعد مرور تسع دقائق فقط على انطلاقنا في هذه المغامرة! واستطعنا قضاء ساعة بالقرب منها، ومشاهدة تفاعلها مع بعضها البعض، وأسلوبها في تناول الطعام، والعناية بالذات، والمشاجرة والنوم. كانت هذه تجربة لا مثيل لها. بكينا أمام عظمة هذا المشهد، ثمّ أكملنا طريقنا فيما شعرنا بالامتنان الشديد لرؤية هذه المخلوقات الرائعة عن قرب.

اليوم السادس

في اليوم السادس من رحلتنا، بقي قسم من المجموعة في النزل ليرتاح بينما انطلق القسم الآخر في مغامرة لرؤية القرود الذهبية النادرة وغيرها من الحيوانات في جبل سابينيو. ترتفع قمّة جبل سابينيو 3669 متراً فوق سطح البحر وتمثّل حدود التقاطع بين أوغندا، ورواندا وجمهورية الكونغو الديموقراطية. قرّر البعض منّا التوجّه نحو هذا الجبل بهدف التنزّه بين منحدراته وليس تسلّقها، مع توخّي الحذر الشديد من الفيلة الوحشيّة والاستمتاع بالمناظر الخلّابة. وبعد الانتهاء من تلك المغامرة، عدنا إلى السيارات وتوجّهنا إلى بحيرة بونيوني.

اليوم السابع

يبلغ عمق هذه البحيرة 900 متر، أي ما يكاد يعادل طول برج خليفة، وعلى الرغم من عدم تجوّل أي حيوانات ضخمة مثل أفراس النهر حولها، إلا أنّها تتمتع بتاريخ عريق، حيث تضمّ جزيرة الجذام حيث تم إرسال المصابين بهذا المرض في الماضي لتلقي العلاج.

وبعد ذلك توجّهنا إلى محطتنا الأخيرة، منتزه مبارو الوطني للانطلاق في رحلة سفاري سيراً على الأقدام عند غروب الشمس. كانت الزرافات تتجول بجانبنا، والحمير الوحشية تمر بقربنا، وأشار حارس الأحراج الذي يرافقنا إلى الأنماط السلوكية الخاصة ببعض أجمل الحيوانات التي رأيتها على الإطلاق.

وفي ختام اليوم، تلذّذنا بعشاء احتفالي حيث تمّ توزيع الشهادات والقمصان التذكارية، قبل بأن نتردد في وداع بعضنا البعض وهذا البلد المذهل، لنعود أدراجنا بأحذية تسكوها الغبار، وقلوب سعيدة والآلاف من الصور! كان هذا واحد من أفضل الأسابيع التي عشتها في حياتي.

صفّ لا يُفوّت

استمعوا إلى صفّ "مطبخ المزارع" عبر إذاعة دبي آي 103.8 إف إم بالتعاون مع سبينس. من الساعة 2 حتى الساعة 5 مساءً كلّ يوم جمعة.