الشيف أفيسيث فونغسافانه يجمع شغفه بالطهي مع حسّه الفنّي لابتكار طريقة فريدة لسرد القصص من خلال الطعام. ويتحدّث عن قيمه في الطهي والمكوّنات التي يستخدمها وصولاً إلى إطلاق مفاهيم خاصة به للمطبخ اللاوسي
"مهنتي هي الطهي، ولكنّ الإبداع يسري في عروقي ويتجلّى في كلّ ما أقوم به." يُعتبر الإبداع في مجال الطهي أمراً مسّلماً به، ولكن بين حين وآخر يطلّ أحد الطهاة ليفجّر فيضاً من الأفكار الإبداعية المبتكرة... ونتكّلم هنا عن الشيف أفيسيث فونغسافانه.
يُعرف أفيسيث بلقب أي جاي، وهو ولد في كندا فيما تعود جذوره إلى أصول لاوسية. دخل عالم الطهي في سنٍّ مبكرة حيث عمل في غسل الأطباق، ومن صغر سنّه، كان يقف على صندوق الحليب ليستطيع بلوغ الأطباق، كما ساعد في أعمال الحديقة حول المنزل. ويقول في هذا السياق: “كان والداي لاجئَين من لاوس في شمال تايلاند، قبل أن ينتقلا إلى كندا في ثمانينيات القرن العشرين. ومن أجل كسب لقمة عيشهما، دخلا قطاع المأكولات والمشروبات. بعد سنواتٍ قليلة، افتتح أعمامي وعماتي مطاعم خاصة بهم... ومن هذه النقطة بدأت مسيرتي في مجال الطهي."
تمثّلت الخطوة التالية من مسيرته في انتقاله من تورونتو (من أمثال مطاعم موموفوكو لديفيد تشانغ) إلى نيويورك (في فندق والدورف أستوريا)، حتّى وصل إلى دبي قبل حوالي عشر سنوات، ليعمل حالياً كمستشارٍ للطعام والمشروبات لصالح عدد من العلامات التجارية، فيما تعاون مع طهاة آخرين في سياق مطاعم مختلفة، ونذكر منهم الشيف فيصل نصر من مطعم لينتو، والشيف ريتا سويدان من مطعم ميسان 15، والشيف جاي بي أنجلو من مطعم كويا. ولا يكلّ أي جاي من مديح هذه البلاد وقدرتها على التكيّف، إذ يشير قائلاً: "تزخر هذه المنطقة بالفرص، فلا ينبغي للطاهي العمل في مطعمٍ، إنّما تتوفّر له مجالات كثيرة يمكنه الانخراط فيها. وكما تعرفون، تقدّم سبينس برنامجاً رائعاً للمأكولات والمشروبات، تتخلّله وجبات جاهزة وقاعة للطعام، حتّى أنّ آفاق هذا القطاع تتّسع في الإمارات، فليس من الضروري العمل في المطاعم أو الفنادق لامتهان وظيفة الطهي. في الحقيقة، يقدّم هذا القطاع خيارات واسعة للجميع، وقد اختبرتُ هذا الأمر شخصياً. فبصفتني مستشاراً، يتواصل معي عددٌ من الشركات سواء لتطوير المنتجات أو قوائم الطعام، أو لتدريب الفرق... في الإمارات، لا حدود للفرص!"
تكتنف وظيفة هذا الشيف عدّة أوجه، وأهمّها فنّ سرد القصص من خلال الطعام، وتتجلّى هذه المهارة في مفهومه ذا ليجنداري ناغا حيث يقدّم أطباقاً تجتمع فيها روح لاوس مع جوهر بلاد فارس وتميّز الخليج العربي وتفرّد بلاد الشام. ولافتتاح هذا المطعم، استقى أي جاي إلهامه من أيام طفولته، وفسّر قائلاً: "لطالما لفت طبق كاري ماسامان انتباهي أكثر من سواه، إذ إنّه يحتضن توليفة مذهلة من التوابل... من الكمّون والشمر وجوزة الطيب والقرفة. ولم يكن شائعاً استخدام هذه التوابل في لاوس وفي المطبخ التايلاندي، لأنّه مستوحى من خارج البلاد."
بطبيعة الحال، سارع أي جاي للبحث عن أصل الطبق. ويقول: "أكّد بعض الباحثين في مجال الطعام أنّ كلمة "ماسامان" هي الكلمة العامية لرجل مسلم في الإنجليزية. لكنّ الأكيد أنّ طبق كاري ماسامان تتخلّله لمسات عربية، على الأقلّ في ما يتعلّق بتوابله."
مع هذا الاكتشاف، بدأ أي جاي يفكّر في الأطباق الأخرى المحلّية التي قد تكون مستوحاة من دول أخرى، إن كان ذلك عن طريق التبادل التجاري أو الثقافي. وأضاف قائلاً: "عندما دخلت دوامة ثقافة غرب آسيا، بدءاً من إيران وبلاد الشام وصولاً إلى باكستان والهند، ورحت أبحث عن الأطباق والوصفات، إذ تعمّقت في تاريخ طريق الحرير وتجارة التوابل، إلى أن تمكّنت من جمع كلّ الأفكار في تراتبية مدروسة، ومن خلالها بدأت أفهم الأمور على نحوٍ صحيح."
يولي أي جاي أهميّة كبرى لإبراز النكهات المناسبة في الأطباق اللاوسية، لذلك أعدّ أطباقه بإتقان مع احترام المكوّنات التي يستخدمها وبما يتوافق أيضاً مع مبدأ الاستدامة. ويشير إلى ما يلي: "تفتقر المنطقة إلى عددٍ من المكوّنات الأساسية مثل عشبة الليمون وأوراق ليمون كفير، لذا أنتهز الفرصة كلّما تسنّى لي استبدالها بمكوّنات مناسبة يمكن استقدامها من المنطقة. وقد طبّقت هذا المبدأ في طبق كاري جوز الهند، إذ حضّرته من العدس والحمّص المستقدم من هنا، بدلاً من استخدام المكوّنات المُعتمدة عادةً في لاوس."
يمتلك أي جاي، بالإضافة إلى نادي ذا ليجنداري ناغا، مطعماً صغيراً يحمل اسم "الناقة لاو كباب هاوس". ويشرح عنه قائلاً: "يقدّم مطعم الناقة أطباقاً كبيرة فضية معدّة للمشاركة تشمل الأرزّ بالزعفران مع الكاجو المحمّص والنعناع، فضلاً عن طبق الدجاج المقلي مرّتَين بدون تتبيلة بحسب وصفة جدّتي، وکباب کوبیده على طريقة لاوس مع أوراق ليمون كفير وعشبة الليمون والصلصات الحارّة. كذلك، نقدّم طبق البرياني بالنودلز، إذ جمعت نودلز الأرزّ اللزج المحضّر بحسب وصفة جدّتي مع صلصة البرياني التي أعددتها بنفسي باستخدام اليقطين الإماراتي المحلّي المشوي." ترسّخ هذه الأطباق الشهية المكانة الريادية لمطعم الناقة، وعليه قرر أي جاي افتتاح وجهة تقليدية جديدة في وقتٍ لاحق من العام 2024. كما يسعى أيضاً إلى تأسيس مطعمٍ تقليدي انطلاقاً من مفهوم نادي العشاء ذا ليجنداري ناغا.
ويضيف قائلاً: "قد يعتقد كثيرون أنّ هذا ضرب من الجنون، حتّى أنّ أهلي يعتقدون ذلك أيضاً. فعائلتي تمتلك ثلاثة مطاعم وقد دخلت هذا القطاع منذ نعومة أظفاري، لذا أعرف أنّ هذه المسيرة قد تكون شاقة جداً، والأهل لا يرغبون برؤية أطفالهم يشقون. أمّا أنا فأعتقد أنّ المسار الصعب هو المسار الأروع. ولا يقتصر امتلاك مطعم على تقديم الطعام إلى الضيوف، إنما يجمع تقنيات كثيرة بأسلوبٍ عشوائي، فيرسي فيها النظام ليقدّم تجربة طعام لا تُضاهى، بدءاً من العاملين في المطبخ والعاملين في الصالة، وصولاً إلى فريق الإدارة، لتنفيذ المهمة على أكمل وجه. وعند تحقيق هذا التوازن تصبح تجربةً استثنائية، وهذا الهدف الذي أصبو إلى تحقيقه."