تشتهر مودينا بالسيارات السريعة والأصوات الصادحة، كونها مسقط رأس إنزو فيراري ولوتشيانو بافاروتي. تُعتبر هذه المدينة الإيطالية الصناعية والأوبرالية على حد سواء العاصمة التاريخية للخلّ البلسمي، والذي غالباً ما يتم تخميره في براميل خشبية على أسطح المنازل في أرجاء المدينة، باستخدام العنب المستقدم من مزارع الكروم بمنطقة إميليا - رومانيا.
خلال السنوات الخمسة عشر الماضية، أسست شركة أتشيتايا جوزيبي كريمونيني علامة حديثة وناجحة بالارتكاز على التقاليد الحرفية القديمة. وفي هذا السياق، تقول إليزابيتا كريمونيني، ابنة الراحل جوزيبي صاحب الشركة: "يُعتبر الخلّ البلسمي من مودينا صلصة حلوة وحامضة يتمّ إنتاجها في هذه المنطقة منذ القِدم". وفي فيلا العائلة الكائنة على تخوم المدينة، تلخّص إليزابيتا التاريخ الطويل لهذا المنتج، مستشهدة باستخدام الخلّ المغلي من قبل الإمبراطورية الرومانية كمنكّه للطعام ونوع من المراهم الطبية.
تقول إليزابيتا إنّه بعد حوالي 1000 عام، تم تحديد الخلّ البلسمي على أنه منتج إقليمي من مودينا يعود إلى العصور الوسطى واعتُبر رمزاً لثروة العائلة، فغالباً ما يُقدّم كهدية في مهور العرائس الأرستقراطيات. وقد ظهرت كلمة "بلسمي" لأوّل مرة كصفة في سجلات الأقبية في ظلّ حكم دوقية إستي قرابة عام 1747، على الرغم من أنّ التعريفات واللوائح الرسمية لم تستخدم هذه الصفة إلا مؤخراً. وأضاف الاتحاد الأوروبي عام 2000 تسمية الخلّ البلسمي التقليدي من مودينا في سجل منتجات تسمية المنشأ المحمية. وتبع ذلك إضافة تسمية الخلّ البلسمي من مودينا في سجل منتجات المؤشر الجغرافي المحمي عام 2009.
عنب تريبيانو
يُعتّق الخلّ البلسمي من مودينا في براميل غنية ببقايا خل بلسمي قديم ومصنوعة من خشب البلوط والكستناء والعرعر
كان والد إليزابيتا من مودينا شاباً ناجحاً حيث بدأ العمل في متجر صغير لبيع اللحوم في المنطقة. شقّ جوزيبي طريقه من خلال البدء بتجارة لحوم البقر ليصبح اسماً لامعاً في مجال صناعة المواد الغذائية، وراح يستحوذ على شركات أخرى بصورة مطّردة، بما في ذلك شركة أوليتاليا، كما أطلق علامة بيتزا شهيرة تُخبَز في فرن حطب ضخم قبل تجميدها لتوزيعها على نطاق واسع.
وكونه من منطقة مودينا، شهر بأنه مرغم إلى حدّ ما على دخول معترك إنتاج الخلّ البلسمي، واشترى في نهاية المطاف مصنعاً للخل عام 2007. وتقول إليزابيتا بحسرة: "توفّي والدي عام 2008، فتولّيت أنا وشقيقاي دفة قيادة الشركة."
وأضافت قائلة: "كان والدنا مدمناً على العمل ولكنه أحبّ أيضاً استقبال الضيوف في منزلنا، والتلذّذ بالمنتجات المحلية النموذجية كجبنة البارميجيانو ريجيانو والخلّ البلسمي من مودينا طبعاً. فأرسى هذا الجو الساحر بفضل حبّه للأرض واحترامه لتقاليد الطعام، لذلك نعطي أهميّة كبيرة لقيمه، ونريد نشرها في جميع أنحاء العالم".
تتمتّع منطقة مودينا بمناخ شبه قاري وبنسبة هطول أمطار معتدلة، مما يساهم في تعزيز ظروف زراعة العنب المميّز
أنجيلو كريمونيني | إليزابيتا كريمونيني مع والدتها | بورتريه لجوزيبي كريمونيني
خلال جولة قصيرة بالسيارة في منطقة سبيلامبيرتو، في مصنع إنتاج أتشيتايا جوزيبي كريمونيني المجاور لكروم العنب، يعترف أنجيلو شقيق إليزابيتا أنّ لا أحد في العائلة كان ملماً بصناعة الخلّ البلسمي عندما استهلوا مسيرتهم المهنية. لذلك دخلوا في شراكة مع ألبرتو فيراري الخبير الذي يعمل الآن كمدير لعمليات صناعة الخلّ، والذي لا علاقة له بسائق سيارات السباقات ومصمم سيارة فيراري، مع أنّ أنجيلو يمتلك سيارة فيراري بلون أحمر زاهٍ.
وبعد وصول نسبة المبيعات السنوية إلى سبعة ملايين لتر في 103 دولة، وبلغ حجم الإيرادات 20 مليون يورو، أصبح الأشقاء اليوم قادرين على كشف سرّ نجاحهم. فيقول أنجيلو: "سبب نجاحنا هو جودة منتجاتنا، بدءاً من نوعيّة المواد الخام المستخدمة التي تُعتبر أهمّ هذه العوامل. المنتج الأساسي هو الخلّ البلسمي التقليدي من مودينا، الذي يُحضّر بالطريقة القديمة نفسها، ووفقاً للقواعد المعاصرة المتبعة للحصول على تسمية المنشأ المحمية."
وهذا يعني استخدامَ عصير عنب تريبيانو، أو لامبروسكو أو أنشيلوتا فقط، والذي يُطحن ويُعصر قبل غليه للحصول على مركّزات تتراوح بين 30% و50%، ثم يُعتّق في براميل غنية ببقايا خل بلسمي قديم، بأحجام وأنواع خشبيّة مختلفة كالبلوط والكستناء والعرعر. (تشمل براميل علامة كريمونيني براميل يبلغ عمرها 80 عاماً، وتمّ إهداء كل طفل من أطفال إليزابيتا الذين كبروا الآن، برميلاً خاصاً به عند الولادة.)
أتشيتايا جوزيبي كريمونيني
ألبرتو فيراري يختبر دفعة من الخلّ البلسمي
تُساعد عملية التبخّر على تحويل عصير العنب إلى حمض الأسيتيك مع مرور الوقت. وليكون المنتج مؤهلاً للحصول على تسمية المنشأ المحمية، يجب ألّا تقل فترة تعتيقه عن 12 عاماً (أو 25 عاماً بالنسبة إلى خلّ إكسترافيكيو)، قبل أن تؤخذ عينة من أصغر برميل ليختبرها اتحاد منتجي الخل البلسمي التقليدي لمودينا، الذي يقوم بعد ذلك بتعبئتها في عبوة معتمدة خاصّة به. وفي المقابل، لا يحتاج الخلّ البلسمي الحائز على المؤشر الجغرافي المحمي إلى التعتيق لمدة تتجاوز الشهرين، ويجب أن يُخلط عصير العنب مع خلّ النبيذ بنسب متفاوتة.
وفي هذا الصدد، يقول أنجيلو: "كلّما زادت كمية عصير العنب الطازج (الذي يحتوي على بذور وقشور ثمار العنب) في المزيج، ازداد حلاوة وسماكة. وهذا لا يعني أنه ثمة مزيج أفضل من الآخر، إنما يختلف تصنيفه بحسب كيفية استخدامه". يشير أنجيلو إلى أنّ المزيج المثالي من الخلّ الذي يمكن استخدامه مع السلطة يحتوي على 30% من عصير العنب و70% من خلّ النبيذ، وحين نعكس هاتين النسبتين نحصل على صلصة رائعة تتناسب مع اللحوم أو الحلويات. تشمل تشكيلة الخل المتوفرة في سبينس الخلّ البلسمي، ومختلف أنواع خلّ النبيذ وخلّ التفاح، وعندما يتعلق الأمر بتطوير منتجات جديدة، تميل عائلة كريمونيني إلى تحقيق التوازن بين مراعاة التقاليد ومواكبة اتجاهات السوق.
وأضاف قائلاً:"نحن نعمل مع جمعيات الطهاة للإتيان ببعض الأفكار الجديدة بشأن تحضير أنواع الخلّ المخمر، وخلّ الحبوب القديمة ولبّ الفواكه التي تتناسب مع مختلف أصناف الجبنة". ويقول أنجيلو إنّ روح والدهم لا تزال حيّة في أخلاقيات العمل التي يتّبعونها وفي مشورة والدتهم الحكيمة، التي ليست منخرطة بشكل مباشر في الأعمال إنما تلعب دور الوسيط بينه وبين شقيقته إليزابيتا وشقيقهما الآخر كاميلو في الكثير من الأحيان. فقال: "لا يتفق الأشقاء دائماً خلال العمل في شركة عائلية، لذلك تجيد والدتنا تهدئةَ الأمور بيننا".