ترقّت نهلا طبّاع العام الماضي في مركز جميل للفنون لتبدأ بالعمل على مشروع في المساحة الخارجية للمركز في أثناء فصل الصيف. تقول نهلا إنّ هذا الفصل يُشكّل تحدياً في المنطقة من حيث التواجد في الهواء الطلق في هكذا طقس. إلّا أنّ موافقتها تجلّت في إظهار حماسها وشغفها في مجالات الطعام والثقافة والطبيعة مجتمعةً كلّها في مشروعٍ خلّاق على شكل حديقة. كانت تقطّع الخضروات والفاكهة بنفسها يدوياً وتضعها على لوائح مغطاة بأقشمة حريرية، لتجفّ تحت أشعة الشمس، بحيث تنساب الألوان منها إلى الأقمشة هذه لتترك عليها مجموعةٍ من الألوان والنقشات الزاهية المنوّعة بفضل عوامل الحرارة والوقت.
تقول نهلا: "أعرّف عن نفسي كفنانة، ولكنني عملت في مجال الطعام للكثير من الوقت. وحديثاً، اكتسبت الكيمياء كمهارة جديدة". تمّ إنتاج كتاب بعنوان شمسا في نهاية هذا المشروع، وهو قطعة مؤلّفة من نصوص نثرية وصور فوتوغرافية وأشعار فضلاً عن وصفات بعنوان "قصص خيالية أو طبعات خاصة للذكريات".
كما تضيف: "يعكس الكتاب الحالة التي أنا فيها اليوم." "تطلبت المساحة الكثير من العمل الشاق، فأمضيت فصلي الصيف والشتاء لتنظيم هذه الحديقة؛ فقد كانت تضم مساحات ينمو عليها العفن وتأتي الطيور لتقتات منها. كانت عملية جني ثمار هذا العمل بغاية الصعوبة إذ كنت أتسلّق هذا السطح وأجلس للتقطيع لساعات ومن ثم أضعه وأتفقده. وبما أن عملي يرتكز على الخير والمشاركة والكرم كان مهماً بالنسبة لي أن أترجم هذه الصفات في الوصفات."
نهلا طبّاع
نهلا تحضّر لنادي العشاء
عاشت نهلا في دبي لمدة ثماني سنوات، وهي نصف أردنية ونصف بنغلادشية، وبدأت بالانخراط في مجال تطوير المجتمع عبر العمل في مؤسسات فنية عدّة في الإمارات العربية المتحدة مركّزةً بشكل خاص على تنسيق تجارب العملاء وتخصيصها وفق احتياجاتهم. كما عملت كمرشدة مع شركة فراينغ بان أدفينتشرز بحيث اقتصر عملها على القيام بجولات تذوّق مأكولات جديدة في الأحياء الأقل اكتظاظاً بالسياح في دبي، ما أدى إلى انغماسها أكثر في مبدأ "الربط بين الثقافة والطعام" وتطويرها نهجاً حول "كيفية ابتداع القصص المرتبطة ببعض الأطعمة".
تضيف وتقول إنّ وصفة الطعام ليست مجرد مجموعة من الإرشادات، لا بل تعتمد بشكل كبير على الحالة النفسية للشخص الذي يحضّرها. فهل يشعر بالراحة أم لا؟ وفي أية مرحلة القمر اليوم؟" وقد أصبح هذا النهج الشامل جزءاً من عملية كتابتها للوصفات.
وتضيف قائلةً "هذا ما أعنيه عندما أقول كيمياء إذ يعتمد على الجسم والعقل وكيفية ترجمة هذه العلاقة في الطعام." مع مرور الوقت، عزّزت أبحاثها الخاصة بالطهي بلمسات فنيّة، لاسيّما فن الصباغة وذلك منذ أن أخذت إجازة دراسية في لندن قبل سنوات عدة. عندما شعرت بالتعب والإرهاق في دبي، عادت إلى مدرسة الأمير للفنون التقليدية وأخذت صفوفاً في الهندسة المقدسة التي تتبع حركة الكواكب وفقاً لملاحظات سقراط وأفلاطون.
"لا أعلم السبب وراء انخراطي في هذا المجال؛ فلم أكن ماهرة في الرياضيات وقد تطلب الأمر الكثير من الجهد والتعب، فقد كانت تجربة شاقة للغاية بالفعل. ولكن، كان ثمة شيء مميّز في أستاذنا، الدكتور دانييل دوهرتي الذي كان يستخدم مقاطع موسيقية ليعلّمنا طريقة تحرّك الكواكب. كما علّمنا كيف نصنع الألوان الخاصة بنا."
مهرو خان ونهلا أثناء إقامتهم البحثية في مجلس إرثي للحرف
العشاء في الجبال - تعمل نهلا والفنانة موزة المطروشي معاً على مشروع يضم 421 شخصاً
كان دوهرتي يحضر معه أحجار قد وجدها بجانب جدول أثناء تنقله، فيبدأ التلامذة بتكسير الحجارة وتنظيفها وتمريرها في الغربال لصنع لوحة ألوان جديدة. "يؤمن الدكتور في فلسفة تقتضي على عدم إمكانية تقديس أي شيء من دون تجسيد ما يعنيه. فتعدّ الورقة والألوان المستخدمة في عملية التحويل جزءاً مهماً أيضاً. وقد تغييرت حياتي بشكل جذري عندما لاحظت أن هذه العادة القديمة ما زالت تُمارس حتى يومنا هذا."
عندما عادت نهلا إلى دبي، لمعت في هذا المجال. "بدأت باستخلاص الألوان من أي شيء، على غرار الغبار على فتحة التهوئة وحبر الحبار من سوق الاسماك وجزيئات من أبواغ لحاء شجرة." قادها شغفها واهتمامها في هذا الإطار للعمل مع خبراء آخرين في مجالات أخرى مثل مصنّعي المربّى لعلامة النملية الذين يبحثون عن الفواكه في جميع أرجاء الأردن لتحضير منتجاتهم.
كانت نهلا قد تناولت موضوعهم في برنامجها الخاص بعنوان إعادة بناء المطبخ لآل سركال على شبكة الانترنت. كما عملت مؤخراً مع صديقتها الفنانة موزا مطروشي على مشروع زراعي مكوّن من 421 شخصاً في الإمارات العربية المتحدة. وفي أثناء زيارة نهلة وصديقتها إلى علماء النبات والعسل في مواقع جبلية على غرار حتا وجباليا ياناس، اكتشفتا نباتات محلية مهددة بالانقراض فحاولتا قدر الإمكان صنع أفضل الوصفات منها والقيام بتجارب الطعام عليها.
يشمل هذا عشاء منظّم يركّز على فوائد الثقافة الأصلية والمخاطر التي تهدد سلامة الطعام اليوم.
كما قامت بتطوير كيمياء الصباغة بمساعدة صديق آخر في دار الأزياء استوديو ميرو، حيث بدأ الموضوع أولاً كمنصةٍ للأبحاث وتطوّرَ ليشمل دورات تعليمية على الإنترنت وبحوث في تعيين الألوان وصولاً إلى تصنيع الحرير والأقمشة القطنية المصبوغة طبيعياً من بقايا الطعام. فهم ينتجون ما يُعرف بـ"تعويذات تعزز القدرة على النوم." "إننا نحاول أن نعمل محلياً ونريد أن نفعل شيئاً يعلّمنا كيف نرتاح مع إضفاء سحره الخاص في الوقت نفسه."