كارلوس فرونزه، الشيف التنفيذي في مطعم تيبل، معجب جدًا بعملية التخمّر نظرًا لقدرتها على تغيير النكهات وضمان عدم الهدر في المطبخ. في حوارنا معه حول قائمة الطعام في مطعمه الحائز على تصنيف "بيب غورمان" من ميشلان، نكتشف كيف يحرص على مراعاة البيئة فعليًا
وُلد هذا الطاهي لوالدين من الجنسيتين الروسية والمكسيكية، وترعرع في دبي، وأدّى الخدمة العسكرية الإجبارية، وتعرّض لكسر في عموده الفقري، ثمّ أجرى عددًا من العمليات الجراحية لإعادة تأهيل عدّة أعضاء من جسده، وفي الأشهر الأولى من بدء العمل في مطعمه، حاز عل تصنيف "بيب غورمان" من ميشلان. تعرّفوا إلى كارلوس فرونزه، الشيف التنفيذي في مطعم تيبل.
تبدو هذه الأحداث وكأنّها مستوحاة من قصة "أمور لا تحصل إلاّ في دبي"، ربما لأنها كذلك بالفعل. فبعد أن أمضى كارلوس أكثر من ثلاث سنوات في الخدمة العسكرية، كان متردّدًا بشأن ما سيفعله بعد ذلك. فنصحته والدته قائلة "لماذا لا تصبح طاهيًا مثل جدك؟" أعجبته الفكرة، وإذ به ينطلق في عالم الضيافة بعد أن حاز على شهادة بكالوريوس في فن الطهو وتقنياته، ثم ماجستير في العلوم والتغذية وفن الطهو وتقنياته. وبعد أن حصل على الخبرة اللازمة في فندق ماجستيك المرموق بكوالالمبور، وفرنش لوندري، وبير سي، وغيرها من المطاعم الراقية، عاد إلى دبي في عام 2015 حيث عمل في مطاعم مثل توم آند سيرج، وسيرف هاوس دبي، وتروا فيس؛ وفي نهاية المطاف، قام بتأسيس مطعم تيبل.
افتُتح مطعم تيبل الذي طوّره بيتر آهن، مؤسس مطعم يوي المشهور بطبق رامِن، في أواخر يناير 2022 في مركز جميل للفنون. ويطلعنا كارلوس على التفاصيل قائلًا: "قابلت بيتر وأخبرني أنه يريد التركيز على الطعام الموسمي المحلي."
يفتخر المطعم الذي يقدّم قائمة تذوّق طعام فاخرة باستخدام المكونات الموسمية واعتماد مبادئ الاستدامة، كما يؤكد كارلوس أنّ نحو 95 في المائة من الأطباق ترتكز على المكونات المحلية.
وفي ظلّ وفرة الموارد التي يمكن الحصول عليها من البرّ والبحر في المنطقة، اكتشف كارلوس وفريقه ثروات محلية جمّة. ويقول "اكتشفت الكثير من أصناف الأسماك. عثرنا على سمك ماهي ماهي، والبرمون، وخمسة أصناف مختلفة من النهاش، والبوري الوردي، وعدة أنواع من القشريات، وتتميّز كلها بمذاق رائع".
ويضيف "لقد جرّبنا تحضير صلصة الغاروم (وهي صلصة السمك المخمّر) باستخدام أربعة أنواع مختلفة من الأسماك. وفي نهاية المطاف تبيّن لنا أنّ سمك الاسقمري كان من أفضلها". وبالإضافة إلى ذلك، اعتمد كارلوس محار خليج دبا لتحضير صلصة المحار الخاصة به، واختار بيض سمك الكنعد لصنع البطرخ الخاص به، كما أعدّ صلصة السمك المحلية مهياوة. لكن نهجه الإبداعي لا يخلو من التحديات، إذ يقول "لا أعرف كيف أصنّف هذا الطبق (أي صلصة مهياوة). فنحن نجرّب الكثير من الأطباق التي لا أدري، لحظة ابتكارها، أين أضيفها وكيف استخدمها". بالإضافة إلى ذلك، يهتم كارلوس بحفظ أكبر عدد ممكن من المكونات، فيحفظ الفاكهة ويصنع المربى والشراب، كما يحفظ البذور ليزرعها مزارعوه.
ويؤكد الشيف التنفيذي أنّ لديه علاقة مباشرة مع عدد من المزارعين الذين يتعاون معهم لمعرفة ما يمكن أن يُزرع محلياً. كما يقوم برفقة فريقه بزيارة سوق السمك في دبي ثلاث مرات في الأسبوع ليرى ما المتاح فيه. "هذه المنطقة، لا بل هذا البلد غنيّ جدًا بالمكوّنات، وما علينا إلاّ الاستفادة منها".
أما تجاربه مع التخمير، فشملت إعداد "جبنة بارميزان غير أصيلة" من جبنة الفيتا المحلية، واستخدام شيو كوجي، وهو مكوّن تخمير مرتكز على الحبوب مصنوع من الأرز المصري، وصنع الحليب الرائب في المطعم، وابتكار مكوّن مشابه للحليب من أوراق التين يكاد مذاقه يشبه طعم جوز الهند.
إن الحرص على استخدام كلّ جزء من المكوّن أمر مهم بالنسبة إلى كارلوس وفريقه على حدٍّ سواء. وغالبًا ما تدخل بعض المكونات المستخدمة في المأكولات المالحة في إعداد الحلويات. ويخبرنا كارلوس كيف يستخدم الشمر في أطباقه، وكيف تستخدمه أيضًا طاهية الحلويات شيرين غفار في تحلياتها، وقد لعبت غفار أيضًا دورًا أساسيًا في إنشاء حديقة الخضار الخاصة بالمطعم.
يلتزم كارلوس بنهج الحدّ من الهدر التزامًا شديدًا، وقد حقّق أمورًا مثيرة للإعجاب، إذ يقول "وفقًا لتقريرنا الأخير، بلغت نسبة هدر المكوّنات في مطبخنا ثلاثة ونصف بالمئة فقط."
عند الطلب من كارلوس أن يصف أسلوب مطبخه، يطلق عليه صفة "المتمرّد" الخارج عن التيار. ويقول "نشأت في دبي ولدي فيها العديد من الأصدقاء. فكنت أتناول الطعام المغربي يومًا، والطعام الفلسطيني في يوم آخر، وأتذوّق الطعام الهندي في اليوم التالي. ثم تناولت الطعام الياباني والكوري. فكيف برأيكم أثّر ذلك على طريقة طبخي؟ في الواقع، إني أمزج كلّ شيء. وأريد أن أقدّم طعامًا لا هوية له، أو بعبارة أخرى، أطباقًا متمرّدة."
ومن البديهي أنّ رؤيته هذه تؤتي ثمارها، ففي غضون بضعة أشهر من افتتاح المطعم، صُنِّف في دليل "غول إيه ميّو" وأدرج في أول دليل "بيب غورمان" تخصّه ميشلان بدبي. ويعلّق بقوله "إنه لأمر جميل جدًا، هذا حلم كلّ طاهي... فتصنيف ميشلان أشبه بجائزة أوسكار أو ميدالية أولمبية بالنسبة إلينا. وهذا التكريم هو كلّ ما نتمناه."
ما سيكون جديد مطعم تيبل؟ تمحورت قائمة الطعام الأخيرة حول المأكولات البحرية، ويكشف لنا كارلوس عن قائمة مرتكزة على الفطر متوقّعة قريبًا. وقد تمّ مؤخرًا تحديث المطعم والمطبخ، بما يشمل تغييرات كبيرة تتماشى مع منظور الاستدامة. وفي هذا الإطار، يضيف كارلوس قائلاً "نسعى إلى تغيير أمور كثيرة؛ إنها تغييرات بسيطة لكنها مهمّة. أريد أن أجعل من قطاع الضيافة قطاعًا خاليًا من الهدر كليًا."
ويختتم بقوله "كلّ شيء ممكن، وما عليكم سوى بذل الجهد اللازم لتحقيق مبتغاكم. لا تكونوا كسولين، بل أنجزوا ما تصبون إليه."