مؤلفة كتب الطبخ وشيف البرامج التلفزيونية زهرة عبدالله تشاركنا ذكريات طفولتها في السودان
ترعرعت في السودان في كنف عائلة عطوفة وأصدقاء محبين، حيث عشنا مجتمعًا متلاحمًا تمحورت الحياة فيه على المساندة والرعاية والتكاتف في الأفراح والأتراح. وأيًا كانت المناسبة، كان للطعام دور مهم في لقاءاتنا.
المطبخ السوداني غنيّ فعلاً ويزخر بالنكهات اللذيذة، ومع ذلك، فإنه ليس معروفًا على نطاق واسع. والواقع أنه قلما تسنح للآخرين خارج البلاد فرصة تجربة الأطباق السودانية، عدا الذين يعرفون أشخاصًا سودانيين وتسنّى لهم تذوقها في منازلهم. وإني أتوق إلى زيارة بلادي مجددًا كي أعيد استكشاف المطبخ السوداني، واستعيد ما فاتني من وصفات، ونكهات، وعادات طبخ محلية لأتشاركها مع الآخرين.
يحتضن المجتمع السوداني ما يقرب من 600 قبيلة يتخاطب أفرادها بأكثر من 400 لغة ولكنة، وينعكس هذا التنوع جليًا في الأطباق السودانية. وفي الوقت الحالي، سوف أستند إلى الوصفات التي خلدت في ذاكرتي منذ الطفولة لأتشاركها معكم.
كنت في طفولتي أعشق الأعراس السودانية، وأتشوق لحضور احتفالات العرس النابضة بالحيوية والحماسة على مدى أسبوع كامل. فقد كانت تلك مناسبات خاصة التم فيها شمل الأسرة من مختلف البقاع للمشاركة في تقاليد رائعة، مثل حفلات الحنة، والمراسم الدينية وحفلات الاستقبال. وكانت العادة تقتضي أن تؤدي العروس رقصة ’الصبحية‘ ويليها الجرتق، وهو عبارة عن سلسلة طقوس مرحة تتولّى فيها الجدات والأمهات تزيين وجه العرسان بالتوابل، ثم يشارك العرسان بمسابقة بصق الحليب، اعتقادًا أن من يصيب وجه الآخر بالحليب أولاً سيكون من يتوّلى زمام الأسرة.
ولطالما كان الطعام من العناصر المهمة المتجذّرة في صلب احتفالات الأعراس. فكانت الأسرة تعدّ الشية (أي شواء لحم الذبيحة، من حمل أو ماعز، احتفاءً بالمناسبة)، وتقدّمها مع سلطة دكوة (بالفول السوداني/الفستق) أو سلطة الأسوَد (بالباذنجان).
لا تزال رائحة الشية الزكية عالقة في ذاكرتي، فقد كانت في تلك الأيام تأسرني وتقودني مباشرة إلى المائدة. وكنت ألفّ الشية بالخبز وأغمسها في سلطة الفول السوداني، وأتناولها مع بعض الجرجير.
مع انخفاض درجة الحرارة هنا في دولة الإمارات، سأبدأ بإقامة وجبات في الهواء الطلق ليستمتع بها أفراد عائلتي. ومن وقت لآخر، يسعدني إعداد حفل شواء سوداني تقليدي، فهذه الوصفات غامرة بالذكريات والحنين إلى طفولتي، وتفتح أمام أطفالي نافذة على النكهات الرائعة التي ترعرعت عليها.
إني متشوقة لمشاركتكم مجموعة من ثلاث وصفات تعلّمتها من الخالة لولة، وهي صديقة للعائلة لديها لمسة آسرة في المطبخ، وتمتلك موهبة تقديم ولائم عامرة وشهية دون أي عناء. آمل أن تجربوا هذه الوصفات وأن تستمعوا بها بقدر ما أستمتع بها. ولا تنسوا تقديم بعض الخبز معها!