في فترة ليست ببعيدة، كانت المنتجات تصل إلى السوبرماركت بدون أن نعرف عنها كثيراً من المعلومات، سواء كانت فاكهة الموز أو علبة من فيليه السلمون أو باقة من أزهار الزنبق. في بعض الأحيان، كان اسم بلد المنشأ يظهر على ملصق، لكن لم يكن أمامنا أي وسيلة لنعرف إذا تمّ اتّباع معايير السلامة والاستدامة في تربية المنتج والاهتمام به. وحتّى بعد أن بدأ المتسوّقون يطالبون بمزيدٍ من الشفافية عن مدى اتّباع مبدأ التجارة العادلة والأثر الكربوني للعمليات، استمرّت منظّمة غلوبال غاب (تشير لفظة غاب إلى الممارسات الزراعية الجيدة) بمزاولة أعمالها في الكواليس.

في هذا الصدد، يصرّح إيغناسيو أنتيكويرا، كبير مديري المبيعات والعلاقات مع أصحاب المصلحة في علامة غلوبال غاب، والمدافع الحقيقي عن "مهمّتها" التي تتمثّل بتشكيل صلة الوصل بين المنتجين المسؤولين والتجّار الذي يتشاركون الأفكار نفسها، فيقول: "نحن نؤمن بأهمّية ما نفعله. ولكنّ شهادتنا بقيت تتداول بين الشركات فقط، ولم يعرف بها المستهلك طوال السنوات الـ25 الماضية تقريباً."

واستأنف إيغناسيو كلامه قائلاً إنّ الأمور بدأت تتّخذ منحى جديداً عام 2018، عندما تمّ اختيار علامة سبينس لإجراء برنامجٍ تجريبي، فقرّرت أن تضع علامات جديدة على بعض الفواكه والخضروات، للتأكيد بأنّ زراعتها قد تمّت باتّباع ممارسات جيدة مُعتمدة. كذلك، تمّ تزويد كلّ منتجٍ برقم غلوبال غاب، الذي شكّل رمز وصول إلى الملفّات الرقمية الكاملة للمنتجين المعنيين، مع صور للمزارع المذكورة وجميع الشهادات الموثّقة لها.

منذ ذلك الحين، باتت علامة غلوبال غاب معياراً أساسياً للجودة يظهر على مختلف المنتجات، بما فيها ثمار البحر والزهور والنباتات المستقدمة من مورّدين حائزين على شهادة غاب من جميع أنحاء العالم. ويؤكّد إيغناسيو، عند سؤاله إذا تحوّلت هذه العلامة إلى معيار أساسي في عمليّة الشراء، قائلاً إنّ هذا الأمر يعتمد على المستهلك: "أعتقد أنّ معظم المستهلكين يولون اهتماماً كبيراً للسعر والجودة والنكهة، غير أنّهم لا يقلّلون أيضاً من أهمية الاستدامة، ونأمل أن يزيد عدد الأشخاص الذين يقدّرون جهود المزارعين أكثر فأكثر."

تأسّست المنظّمة في كولونيا بألمانيا، وكانت تحمل اسم يوريب غاب في أواخر التسعينيات، حيث مثّلت المصالح المشتركة بين عددٍ من سلاسل سوبرماركت أوروبية وبعضٍ من أكبر المورّدين لديهم. قبل بضع سنوات، تفشّى مرض "جنون البقر" الذي كان ينتقل من خلال طعام المواشي الملوّث، وإثر ذلك برزت الحاجة الملحّة لإرساء معايير موحّدة لإدارة المزارع. "أراد البائعون وضع ضغط أكبر على المورّدين، في وقتٍ كان المنتجون يصدّرون محاصيلهم إلى عدّة أسواق ويجبَرون على اتّباع معايير كثيرة تختلف بحسب السوق التي يصدّرون إليها، لكن لاحظنا أنّ حوالي 80% من هذه المعايير كانت متشابهة.

"هكذا، ولدت هذه المبادرة لتوفير الفعالية والبساطة، فجمعت كلّ الأطراف معاً حول أداة واحدة وشهادة واحدة تلبّي تطلعات الجميع." ومع مرور الوقت، اكتسبت شهادة غاب انتشاراً عالمياً عكسته في اسمها، وبدأ عدد أكبر من المزارعين ينضمّون إليها، ويوافقون على الالتزام بالأحكام والشروط التي تُطبّق على جميع مراحل سلسلة الإمداد، ألا وهي: سلامة الغذاء، والاستدامة البيئية، وسلامة العاملين والحيوانات، والتعامل مع المنتجات، والتدريب والدعم. أمّا اليوم، فباتت مروحة المنضوين تحت لوائها تشمل حوالي 200 ألف منتِجٍ يتوزّعون على أكثر من 130 بلداً. وكلّما انضمّ عضوٌ جديد إلى عائلة المنظمة، شعر إيغناسيو بالرضى والسعادة إذ يرى أن ذلك يعزّز التركيز على الإيجابيات.

Elite Agro and AAA Growers are two of our many producers who are GLOBALG.A.P. certified

إليت أغرو وإيه إيه إيه غرورز هما اثنان من منتجينا الكثيرين الحائزين على شهادة غلوبال غاب.

"نحاول دائماً أن نتعامل مع الأمور من وجهة نظرٍ بنّاءة، بحيث نركّز على إيجابيات الوصول إلى السوق، وتحسين العمليات في المزرعة. وقد أثبتت الدراسات أنّ عدداً كبيراً من الشركات تحقق الأرباح، حتى بعد استثمار مبلغ كبير للحصول على الشهادة، هذا أنّ العمليات الجديدة المطابقة للمعايير التي اعتمدتها باتت أكثر سلاسة. لكن في نهاية المطاف، ما من شيءٍ إجباري، وأنتم وحدكم يمكنكم أن تقرّروا إمّا أن تنضمّوا إلينا أو لا."

وفي السنوات الأخيرة، بدأت مهمّة المنظمة تتّخذ بعداً وجودياً أساسياً لاستمرارية الحياة، إذ تبيّن الأثر الكبير للتغيّر المناخي والزيادة السكانية العالمية التي تزيد الضغوط على العمليات الزراعية، حيث من المتوقّع أن يبلغ عدد سكّان الأرض 10 مليارات في العام 2050، وكلّهم يحتاجون إلى الغذاء. "الأكيد أنّنا نرسي كل معاييرنا لضمان استمرارية قطاع الزراعة، واستدامة العمليات في المزارع وأمانها، والصمود أمام التغير المناخي، والحذر في استهلاك الموارد، سواء كانت مياهاً أو طاقة أو أي موردٍ آخر."

من جهة أخرى، بدأ مصطلح "تربية الأحياء المائية" يتداول بشكلٍ كبير في إرشادات غاب، ففي وقتٍ أصبحت المزارع البرّية تحتلّ مسافة كبيرة من الأراضي الزراعية، بدأ الحديث أيضاً عن إمكانية استغلال المياه لتربية الأسماك وثمار البحر، مع الالتزام التام بالمعايير الصارمة نفسها التي أصدرتها المنظمة.

"تواجه "تربية الأحياء البحرية" مشاكل مختلفة عن تلك التي تعيق زراعة الفواكه والخضروات. فلا بدّ من مراعاة طريقة التعامل مع الأسماك، ونسبة التلوّث في المياه، ومصدر الطعام، وما إلى ذلك. غير أنّ الهدف الأساسي يبقى نفسه، وهو اعتماد الممارسات الجيدة التي تضمن سلامة الغذاء، واحترام البيئة والحفاظ على سلامة العاملين."

لقد تعلّم إيغناسيو الهندسة الزراعية ويملك خبرة واسعة في سلسلة التوريد الزراعية، ولهذا يفهم أكثر من أي شخصٍ آخر حجم التحدّي الذي ينتظرنا. ومع أخذ ذلك بالاعتبار، هل يشعر بأنّ مهمّة غلوبال غاب المستمرّة تحفّزه على التطور، أو يعتريه قلق كبير بشأنها؟

"أعتقد أنّ الجميع يفضّل التفكير بإيجابية، ولا يخلو العالم من الأشخاص المندفعين لإحداث تغيير. كما يشكّل التعاون مع شركات تتّبع التفكير نفسه والرؤية ذاتها جزءاً كبيراً من هويتنا. قد تعترض طريقنا عقبات كثيرة، ولكنّ عملَنا ملهمٌ وشيّق وهذا ما نتمسّك به."