كلّما ولدت فتاة في عائلة سيشيلية، تُقدم إليها سلحفاة صغيرة لتكبر معها وتكون صديقةً لها مدى الحياة. وفي هذا السياق، تقول نسرين خان، ناشطة في الحفاظ على البيئة في جزيرة ديروش، حيث أقيمُ في منتجع فورسيزونز: "من المؤسف أنّ هذا التقليد بدأ يضمحلّ شيئاً فشيئاً، فلا نجد الآن سوى عدد قليل من الجدّات مع سلاحفهنّ."
انتقلتُ من جزيرة ماهي التي تُعتبر الأكبر في جزر سيشيل إلى جزيرة مرجانية نائية تبعد عنها مسافة رحلة جوية قصيرة وتمتدّ على طول 5 كيلومترات تقريباً... ونتكلّم هنا عن جزيرة ديروش. يقسّم المدرج الجزيرة إلى قسمَين، حيث يقع المنتجع على القسم الأول منها بينما يضمّ الآخر محمية آلدابرا للسلاحف العملاقة، فضلاً عن مساكن خاصة، وشواطئ تحيط بها أشجار جوز الهند المقوّسة، فضلاً عن مزرعة حيث يمكن لطهاة المنتجع اختيار الأعشاب الطازجة والخضروات الورقية والفواكه والخضروات مثل البابايا والطماطم والباذنجان.
اصطحبنا سائق عربة الباغي مارك، ولفت انتباهنا إلى جورج الذي يُعتبر أشهر سلحفاة مقيمة في الجزيرة ويُعتقد أن عمرها يناهز الـ120 عاماً. لم يحالفني الحظ لرؤية السلحفاة جورج لأنها تتجول في الجزيرة بحرية، لكنني قابلت فيلي وبيغ بيت في المحمية. ذكرتني هذه السلاحف بالمخلوقات الفضائية، خصوصاً عندما تمدّ أعناقها تعبيراً عن شعورها بالسعادة إثر التربيت عليها. إنّ تجربة التعرّف على هذه السلاحف العملاقة اللطيفة والتفاعل معها هي واحدة من التجارب الكثيرة التي يقدّمها فندق فورسيزونز.
تقع فلل المنتجع وأجنحته الريفية على مرمى حجرٍ من الشواطئ الرملية البيضاء ومياه المحيط الهندي الفيروزية. وينفرد الجناح الشاطئي بتصميم داخلي يجمع ما بين البساطة والأناقة، وتتخلّله لمسات خشبية آسرة فيما يضمّ مفروشات مصنوعة من الخيزران تقابلها لمسات لونية في السجاد التقليدي. توجهتُ فوراً إلى محطة الترحيب التي تقدّم مجموعة من الحلويات الكريولية القائمة على جوز الهند، بما في ذلك النوغا والكعك والجيلي، فضلاً عن الشوكولاتة المتبلة المصنوعة يدوياً وزجاجة من الشاي المثلج بالقرفة والفانيلا المصنوع محلياً، وكان هذا الأخير مشروبي المفضّل طوال إقامتي.
والجدير بالذكر أنّ التوابل أُدخلت إلى هذه الجزر عن طريق التجارة وعلى يد الهنود الذين وصلوا إليها في القرنَين السابع عشر والثامن عشر. نشأ المطبخ الكريولي في جزر السيشل من قلب مزيج فريد من ثقافات شرق أفريقيا والهند وفرنسا والصين وبريطانيا، ومنحه الهوية التي نعرفها اليوم. في هذا الإطار، يوضح مساعد الشيف المبتدئ بيري بوريس، قائلاً: "تكثر المكوّنات الأساسية في مطبخنا ومنها مسحوق الكاري، والكركم، والفلفل الأخضر والأحمر الطازج، وأوراق الكاري، والقرنفل، والقرفة، ونستخدم كلّاً من الأوراق واللحاء"، هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّني قضيت معه فترة ما بعد الظهر لتعلّم كيفية تحضير الكاري الكريولي بالخضروات، مصحوباً بشرائح السمك المحمّر وسلطة الطماطم والبصل والكزبرة الطازجة."
ولا تنتهي المكوّنات هنا... إذ نضيف إليها البطاطا الحلوة، والقرع، والفلفل الأحمر والأصفر، وكذلك الباذنجان والطماطم، لنقدّم طبقاً رئيسياً زاخراً بالنكهات والألوان. وتحت إشراف الشيف بيري، شرعت في قلي الثوم المفروم والزنجبيل والبصل المقطّع إلى شرائح رفيعة. وأضفتُ إليه مزيجاً من التوابل ففاحت رائحتها العطرة وملأت الأجواء، بينما يواصل بيري مشاركة مقتطفات عن مطبخه التقليدي. وصحيحٌ أنّ الهنود قدّموا التوابل إلى السكان الأصليين للجزر، إلا أنّ الهيل لا يزال غائباً إلى حدٍّ كبير عن معظم مطابخ سيشيل اليوم. ويُختتم طبق الكاري بإضافة أخيرة وهي حليب جوز الهند حليب الذي يشيع استخدامه في هذه المنطقة. ويضيف بيري مفسراً: "نستخدم الكثير من جوز الهند في أطباقنا، بدءاً من المقبلات والسلطات وصولاً إلى الأطباق الرئيسية والحلويات. ونستخدمه بمختلف أجزائه، من الأوراق حتى الجذور، حتى أننا نستخدم قلب شجرة جوز الهند، وهو نبات باهظ الثمن في سيشيل يستلزم قطع شجرة جوز الهند بأكملها لحصاده." وهذه هي وجبتنا لبعد ظهر ذلك اليوم، وربما تبدو لكم بسيطة، لكن نكهاتها مألوفة بالنسبة إلي وقد بعثت الدفء في نفسي.
يسهل على الضيوف استكشاف الجزيرة بمفردهم، إذ خُصصت مسارات للدراجات الهوائية لكلّ فيلا وجناح. ذات صباح، انطلقت قبل الفطور وتجوّلتُ على متن الدراجة الهوائية عبر حقول أشجار جوز الهند وغابات مشجرة تلقي بظلالها المنعشة لاسيّما حين تشتدّ أشعة الشمس الاستوائية. هذا وتجتذب جزيرة ديروش طيور جلم الماء وتدي الذيل لبضعة أشهر خلال العام حيث تبني هذه الطيور الليلية أعشاشاً تحت الأرض في أجزاء معينة من الجزيرة، لذا يُفضل الالتزام بالمسارات المحددة. ومن العجيب أنّ صوتها يحاكي صوت طفل يبكي، فتخيلوا سماع ذلك الصوت في الظلام الحالك.
لقد رأيت مطعماً خارج المنارة في تلك الأمسية. يفتح هذا المطعم أبوابه في أيام معينة من الأسبوع من الساعة 6 إلى 10 مساءً، وهو الوجهة المثالية للتمتّع بغروب الشمس أثناء التلذّذ بثمار البحر المشوية الشهية واللحوم المجفّفة والمعتّقة. في هذا المطعم، تبدأ الوجبة بثلاثة مقبلات، منها أكواب الشمندر المجوّفة المليئة بسمك السلمون والمكسوّة بالكافيار حيث تتوازن النكهات الحلوة مع المالحة لتكشف عن مذاق لا يُقاوم؛ زِد على ذلك قطع التين الحلوة الملفوفة في شرائح من الباذنجان الذي يكتنف لمسة مرة خفيفة؛ وختامها مسك مع المزيج الكلاسيكي من البطيخ وجبنة الفيتا. وأبرز الأطباق التي تقدّم في هذه الأمسية هو السمك المشوي الكامل الذي يُقدّم مع البطاطا الحلوة المهروسة وسلطة البابايا الخضراء المنقوعة والطماطم المجفّفة. ويُتبّل السمك بتتبيلة مُعتدلة فتبرز نكهته الشهية والغنية، فيما توفّر الأطباق الجانبية باقة من القوامات تتراوح من الكريمي إلى المقرمش. وتُختتم تجربة الطعام بالحلوى الزاخرة بالنكهات الاستوائية، حيث تطلّ فطيرة المانغو الغنية مكسوّةً بسوربيه جوز الهند المنعش وطبقة من تارت الليمون المفككة، وتمتزج فيها النفحات الحماضة المشرقة مع الميرينغ الحلو والخفيف للكشف عن تحفة فنية.
وفي اليوم التالي، عدتُ إلى ماهي لزيارة منتجع فورسيزونز سيشيل الذي يمتد على تل من الغرانيت تملؤه المساحات الخضراء. يُعتبر هذا المنتجع ملاذاً آسراً بكلّ معنى الكلمة، ويضمّ عرازيل فاخرة تقع بين أحضان الأشجار على جانب التل، وتطل على خليج بيتيت آنس الذي يتّخذ شكلاً شبه دائري. هذا وترسم الشمس عند مغيبها لوحة ألوانٍ رائعة، حيث تصل أشعتها البرتقالية إلى غرفة النوم الرئيسية وكأنها ترحّب بنا أحرّ ترحيب.
هذا وتزداد تجربة العشاء تميزاً مع هطول الأمطار الاستوائية المفاجئة، إذ تضفي الأمطار لمسة درامية على المناظر الطبيعية المذهلة، وتمتلئ الأجواء بأصوات الضفادع والزيز. ويقدّم مطعم زيز قائمة عشاء تُعتبر مثالية للمشاركة وتضمّ باقة من الأطباق السنغافورية والصينية مثل السلطعون على طريقة سنغافورة مع صلصة الفلفل الحار، والكعك المطهو على البخار، والروبيان النمري الكانتوني المحضّر في مقلاة الووك. اخترتُ الإدامامي الحار وسلطة الواكامي والخيار المقرمشة والمنعشة، تليها فطائر الروبيان العصارية التي تدلّل الحواس بلمسة حلاوة خفيفة. وعلى الرغم من شعوري بالامتلاء، إلّا أنّني لم أستطع مقاومة الحلوى، لاسيّما عندما يتوفّر الأرز اللزج بالمانغو على القائمة. ولكن يقدّمه مطعم زيز على طريقته الخاصة، حيث يستبدل المانغو الطازجة بسوربيه المانغو الذي يوضع فوق طبقة من أرزّ جوز الهند اللزج.
علاوةً على ذلك، قُمتُ بجولةٍ حول المنتجع اكتشفتُ خلالها باقة من أشجار المانغو والكاكايا وفاكهة النجمة والبابايا والقرفة بالإضافة إلى مروحة من النباتات المزهرة مثل الزنجبيل. كما تحلّق فوقها الطيور مثل طائر الفودي الأحمر الجميل الذي يشبه عصفور الدوري البرتقالي. وثمة أيضاً آثار تكتسي جدرانها الحجرية بالطحالب وجذور الأشجار المعقودة، وتُعرف بتسمية "فومبا" التي تعني "المنزل القديم" باللغة الكريولية، وغالباً ما يقع عليه الاختيار لإقامة المناسبات الخاصة مثل حفلات الزفاف.
يقول كبير الطهاة التنفيذيين كارلوس رودريغيز، الذي التقيته في مطعم كانيل: "كان هذا العقار عبارة عن مزرعة للفواكه". لذلك، يستخدم فريقه الفاكهة التي يتم حصادها من الأشجار المحلية كلما أمكن ذلك. واستكمل كلامه قائلاً: "نحرص أيضاً على عدم وصول نفايات الطعام الناتجة عن مطابخنا إلى مكبات النفايات. لذلك، نجمعها ونعطيها للمزارع المحلية حيث تُستخدم علفاً للخنازير... ونتبرّع بفائض الطعام إلى المجتمعات المحلية." وبفضل وحدة تنقية المياه الداخلية، تمكّنّا من الاستغناء عن الزجاجات البلاستيكية أحادية الاستخدام في جميع أنحاء المنتجع.
يقدّم مطعم كانيل قائمة غداء استثنائية غنية بالأطباق الكريولية، بينما يصبّ التركيز الأكبر في تجربة العشاء على إبراز نكهات البحر الأبيض المتوسّط عبر استخدام المكوّنات الموسمية. هنا، تمكّنت من تذوّق سلطة قلب النخيل التي تجمع بين شرائح قلب النخيل المقطّعة ومكعبات الطماطم والخيار، مع صلصة الباشن فروت للتمتّع بنكهة الحمضيات المنعشة مع لمسة من الحلاوة. ولا تكتمل تجربة الطعام بدون طبق ثمار البحر المشوية حيث تتلاقى مجموعة مختارة طازجة ومحلية من الروبيان العصاري والكركند والإسقالوب وبلح البحر والأسماك، وتقدّم مع الليمون المحمّر ومجموعة متنوعة من التغميسات.
في آخر يوم لي على الجزيرة، قررتُ ممارسة تمارين التأمّل في الجبل، إذ تسهم في تهدئة العقل وتساعد في التخلّص من السعرات الحرارية، لأنها تنطوي على رحلة شاقة إلى أعلى نقطة في المنتجع. وانطلقتُ في تجربتي هذه برفقة أحد أعضاء فريق السبا، حيث تنعمت بالنسيم العليل وصوت تلاطم الأمواج على الشاطئ أدناه. ربما كان الوقت الذي قضيته هنا قصيراً جداً، ولكنني أعدكم بالعودة إلى جزر سيشيل للتعمّق أكثر في ثقافتها الرائعة ومناظرها الطبيعية الخلابة.
للمزيد من المعلومات يرجى زيارة الموقع الإلكتروني fourseasons.com