من الواضح أنّك تملكين إرثاً غنياً وتتحدّرين من خلفيات متعدّدة - هلّا أخبرتنا المزيد عن الموضوع؟
ولدت عائلة أمي بأسرها في زنجبار، غير أنّهم يتحدّرون من أصول إيرانية وعُمانية. أمّا والدي فقد وُلد وترعرع في مسقط، بيد أنّه يتحدّر من أصل بحريني وعراقي. بدوري، ولدت في المملكة المتحدة، فقد غادر جدّاي ومجتمعهم زنجبار عام 1964 إذ لم تعد جزءاً من سلطنة عُمان وانضمت إلى تنزانيا. فتوجّهوا إلى بورتسموث مع سلطان زنجبار واستقرّوا هناك. تقول جدّتي بيبي أنّ هذه المدينة تذكّرها بالحياة على الجزيرة، لكنّني لست متأكدة من السبب... فلا وجود لأشجار النخيل هناك، ولا شواطئ رمالها ناصعة البياض! هكذا، ترعرعت في بريطانيا، لكن لم تتوقف عائلتي عن السفر إلى سلطنة عُمان لزيارة عائلة والدي وأفراد عائلة والدتي الذين بقوا هناك.
ممّ استمدّيتِ الإلهام لتأليف كتاب طهي؟ ومن أين بدأتِ؟
الحقيقة أنّها تجربة مجنونة بكل معنى الكلمة. عام 2020، كنتُ أستمع إلى كاتبة كتاب طهي تتحدّث عن طريقة نشرها لكتابها. بدا لي الأمر بسيطاً جداً، فقد أعلنت أنه لا حاجة لأن يكون الشخص مشهوراً حتّى لنشر كتاب. ففكرتُ: "يمكنني أن أفعلها إذاً!" بدأت بكتابة مقترح، غير أنني علقتُ في سلطنة عُمان لمدّة ستة أشهر بسبب جائحة كوفيد-19. لهذا، قررتُ أن أستغلّ الوقت، وأجوب أرجاء السلطنة وأنهي كتابة المقترح. حاولتُ الاستكشاف قدر المستطاع كلّ يوم (قبل حظر التجوّل مساءً)، وكنتُ أستغلّ الليل للكتابة. عام 2021 عثرت على وكيل أدبي، أمضى تسعة أشهر إضافية في تطوير مقترحي. وفي شهر أغسطس من العام 2022، أبرمت عقداً! ومنذ ذلك الوقت بدأت الأمور تتسارع.
يجمع كتابك أكثر من 90 وصفة. كيف اخترتِها؟ ولمَ هل اضطرت إلى إعداد كلٍّ منها من الصفر؟
بدأت بتجربة الوصفات بينما كنتُ أعدّ المقترح. وبما أنّني كنتُ قد نشرتُ عدداً من الوصفات على إنستغرام، كان في جعبتي 40 وصفة تقريباً. كنتُ قد أعددت كثيراً من تلك الوصفات لمرة أو مرّتَين، إلّا أنّ مقاديرها لم تكن دقيقة أبداً. لهذا السبب، قررتُ في يناير 2023 أن أجرّب ست وصفات في اليوم على مدى 30 يوماً، لأنّها الطريقة الوحيدة لإنجاز المهمّة. فانتقلتُ مع أمي إلى شقة جدتي الصغيرة، وبدأنا الطهي على مدار الساعة في مطبخها الصغير. ومع انتهاء تلك المرحلة، يمكن القول إنّنا كنا بدأنا نملّ من بعضنا!
لمَ اخترتِ عنوان بهاري وماذا يعني هذا الاسم؟
تعني كلمة بهاري البحر، وتبدو قريبة جداً من اللفظ العربي. لذا شعرتُ أنّه عنوان يختصر كلّ المشاعر، فهو يحاكي تاريخ سلطنة عُمان وزنجبار، ويعبّر عن أهمية البحر، وعن جذوري.
هل كان اختيار صورة الغلاف أمراً صعباً؟
أجل، كانت عملية مضنية. كنتُ مصرّة على عدم وضع أي طبق أو صورة بورتريه على الغلاف، فأنا أعشق الرسومات الجميلة. وبعد مناقشات كثيرة، في وقتٍ شارف الكتاب على الانتهاء، قررتُ أن أسافر إلى غوا. قد تعتقدون أنّني أقتبس من أحد الأفلام، لكن عندما كنت أقف على الشاطئ حيث تداعب رماله البرتقالية قدمَيّ وأتأمل المحيط الهندي، أدركتُ أنّها الصورة المثالية التي أحلم بها. فالتقطتُ صورة وأرسلتها إلى دار النشر. كان البرتغاليون قد أبحروا من غوا إلى سلطنة عُمان واستقروا في مسقط، كما اتّبعوا مساراً مشابهاً في البحر نفسه لبلوغ زنجبار. فلدى وقوفي في المدينة التي بدأ منها كلّ شيء، أمام محيطٍ قد أدى دوراً لا يُستهان به في الهجرة، شعرتُ أنّ هذه الصورة التي يجب أن تبدأ بها حكايتي وأن تظهر على غلاف الكتاب.
كيف قسمتِ الكتاب للحرص على أن يشمل كافة المواضيع التي تودين مناقشتها؟
عندما بدأنا بتقسيم الكتاب، اخترت في بداية المطاف أجزاءً عادية، مثل اللحم، والسمك، والخضروات، وغيرها. لكن، عندما بدأتُ بكتابة مقاطع الشرح الموجودة فيه، أدركتُ أنّ هذه الأجزاء مملّة وغير منطقية، كما أنّها لا تُنصف الأطباق الرائعة. فقد أردتُ من كتاب بهاري أن يروي قصة المحيط وكيف يسمح لنا بالسفر والهجرة، لذا كان علي إيجاد طريقة لأدمج فيه المناطق الأساسية في حكاياتي والتعبير عن الدول التي أدّت دوراً أساسياً في رسالتي. بالتالي، قسمتُ الكتاب إلى الأجزاء التالية: مسقط، زنجبار، الشاطئ، الداخل، وبورتسموث.
قررتُ أن أخصّ مدينة مسقط بجزء كامل لأنّها كانت تتمتّع بأهمية كبيرة في تلك الفترة من حياتي، ولأنّها تقدم كميّة لامتناهية من الأطباق الفريدة والمتميّزة. كذلك، كان لا بدّ من ابتكار قسمٍ لزنجبار، فمنها انبثقت كلّ المعلومات التي علّمتني إيّاها جدّتي وعائلتها. يعبّر قسم الشاطئ عن الهجرة: من الهند إلى سلطنة عُمان، ومن سلطنة عُمان إلى زنجبار، على طول الساحل السواحيلي. أمّا قسم الداخل فيروي قصّتي بين جبال السلطنة خلال جائحة كورونا. من جهته، يجمع قسم بورتسموث الوصفات التي كنت أحبّها خلال طفولتي، فضلاً عن أطباق جديدة حاولتُ ابتكارها من وحي الوقت الحاضر.
عندما كنتِ تتجولين في أنحاء سلطنة عُمان، هل اكتشفتِ أطباقاً جديدة لم تكوني تعرفينها من قبل؟ وهل أثّر فيك أي طبقٍ بشكلٍ خاص؟
بالتأكيد أنّني اكتشفت كثيراً من الأمور المذهلة! يمكننا أن نتحدّث عن طبق الشوا مثلاً، الذي يُعتبر الطبق الوطني العُماني. يتمّ تناول هذا الطبق في العيد، إلّا أنّه لا يبدو منتشراً إلّا في مناطق محدّدة من السلطنة. من جهتهم، لا يتناول أهل صلالة هذا الطبق، بل يعدّون أطباقاً خاصّة بهم في تلك المنطقة. ويرجع السبب في ذلك إلى أنّ السلطنة كانت مقسّمة إلى قبائل كثيرة في الماضي، تتحدّر كلّ منها من منطقة مختلفة وتتفرّد بأطباقها أيضاً.
تعلّمتُ الكثير أيضاً من الفترة التي أمضيتُها مع العمّة فاطمة، التي وُلدت في كهف في جبال صلالة. علّمتني كيفية إعداد المجين، حيث تستخدم لحم البقر المقدد والمُميه، وتطهيه في دهنه ثمّ تضيفه إلى يخنة كاري حلوة وتقدّمه مع الأرزّ وكمية كبيرة من السمن. قد يكون اللحم فيه قاسياً بعض الشيء، غير أنّه لذيذ. هذا الطبق الأساسي الذي يُعدّه سكان صلالة للعيد... ومن الرائع أنّهم يحضّرون طبقاً يميّزهم عن غيرهم.
هل واجهتِ تحدّيات عندما كنتِ تجربين هذه الأطباق غير المعروفة بعد عودتك إلى المملكة المتحدة؟
أجل، لكنني أصررتُ على المثابرة لإنجاح الفكرة. تطلّبت منّي بعض الأطباق بذل جهدٍ كبير. فمثلاً سأتكلّم عن طبق الكاري بالحليب، حيث لا بدّ من أن يكون حليب البقر أو الإبل طازجاً لإعداده ليصبح كثيفاً وشهياً، والأكيد أنّه من الصعب جداً إيجاد هذا النوع من الحليب هنا. لذا، كان علي تجربة أنواع كثيرة وكميات مختلفة من الحليب والكريمة لتحقيق القوام والتركيبة والنكهات نفسها. شعرت أحياناً أنّني لن أنجح في دمج بعض الوصفات، إنّما ثابرت إلى أن حققت النتيجة المرجوة.
هل شعرتِ بميل إلى أحد المطابخ الموجودة في الكتاب أكثر من سواه؟
أعتقد أنني استطعت تحقيق التوازن بينها كلّها. فخلال طفولتي، كنتُ أحبّ أطباق زنجبار أكثر لأننا اعتدنا تناولها في منزل جدتي. غير أنني بدأت أعرف المزيد عن الأكل العُماني بعد أن انتقلت أمي إلى تلك البلاد وبدأت أسافر إليها أكثر، إنّما كنت أشعر أنّ أطباق سلطنة عُمان كثيرة ولم أستطع فهم تنوّعها بحقّ. أمّا الآن فقد بات الأكل العُماني الأقرب إلى قلبي، حتّى صرت أفهمه أكثر من العُمانيين حتى. في الواقع، يعود سبب تنوّع الأطباق إلى مساحة البلاد الشاسعة وتاريخها العريق، وأشعر أنّني من القلائل الذين يعرفون أسرار المطبخ العُماني بتفاصيلها.
ما نصيحتك للطهاة الصاعدين الذين يرغبون بإصدار كتاب؟
لا تفعلوها! طبعاً أنا أمازحهم، فالحقيقة أنّني أنصحهم بأن يلاحقوا حلمهم مع أنّ هذا الحلم بالذات يتطلّب بذل تعب كثير والتزاماً لا يتزحزح. سيصبح هذا الكتاب محور حياتكم، لذا تعمّقوا بالدراسات واعثروا على وكيل واطلبوا النصائح من شركة النشر، فهُم خبراء ويعرفون ماذا يفعلون. والأهمّ أن تثقوا بأنفسكم.
اشتروا كتاب بهاري - وصفات من المطبخ العُماني وغيره بقلم دينا مكي هنا.
يمكنكم إلقاء نظرة على وصفات دينا الموجودة في هذا المقال وغيرها عبر موقعنا الإلكتروني Spinneys.com