"اختبروا روعة الحياة" هو شعار منتجع وسبا لو ميريديان جزر المالديف. وهذا هو بالضبط ما أنوي القيام به على مدى الأيام الأربعة التي سأقضيها في هذا المنتجع حيث سأتنعّم بالاسترخاء كلّ يوم. أنا محظوظة للغاية لأنني أزور هذا المنتجع بالتزامن مع تواجد الشيف سوينيل باهادور الحائز على جوائز في هذه الوجهة، حيث تمّت دعوته لإعداد وجبات مميّزة حتى تُتاح للضيوف فرصة الاستمتاع بمأكولات فاخرة خلال عطلتهم على الجزيرة.
ما إن نزلت من على متن الطائرة المائية، استقبلني المدير العام للمنتجع وفريقه أحرّ استقبال، فشعرتُ بالراحة والطمأنينة على الفور. وفي طريقي إلى فيلا سانرايز المُقامة فوق المياه، رأيتُ صغير سمكة قرش الشعاب المرجانية وسمكة راي لاسعة تنزلقان في المياه الضحلة، فأحسستُ وكأنّني دخلتُ عالماً من العجائب.
التقيتُ بالشيف سوينيل في وقتٍ لاحق من ذلك المساء، وأخبرني أنّ المنتجع خطف قلبه أيضاً. وقال: "تخيّم على هذه الوجهة أجواءٌ رائعة، فنادراً ما تكون الشواطئ مزدحمة، أمّا فريق العمل، فيجسّد كرم الضيافة. هنا، أشعر بالدفء والطمأنينة، وكأنّني في راحة منزلي."
ولد الشيف سوينيل في جمهورية سورينام متعدّدة الثقافات من أبوين هنديين، وترعرع في هولندا منذ أن كان في الثامنة من عمره. يبتكر الشيف أشهى المأكولات في مطعمه دي ليندينهوف الحائز على نجمتي ميشلان، ويصف الطعام فيه بأنّه "عبارة عن أطباق سورينامية فرنسية متأثّرة بعددٍ من الثقافات." هذا ويتميّز الشيف بشعرٍ مجعّد أشيب، وضحكة عفوية وشخصية مرحة، فيصعب على المرء ألّا ينجذب إلى عبقريته الإبداعية بحيث حسّن وصفات والدته وأضفى عليها لمسة تميّز بعد أن أدرك أنّه ينبغي له تغيير طابع مطبخه و"التوقف عن الطهي مثل الآخرين". وهو يعترف بأنّ خلفيته السورينامية-الهندية أدّت دوراً كبيراً في جعله الشيف الذي هو عليه اليوم.
وقال في هذا السياق بنبرةٍ ملؤها الفخر: "لقد أحضرتُ أمّي إلى مطبخي، فما من معلّمة وطاهية أفضل منها بنظري. وصحيحٌ أنّني كنتُ طاهياً متمرّساً حينها، غير أنّها كانت تضربني على أصابعي إن ارتكبت خطأً ما. معاً، أعدنا ابتكار الأطباق التي كبرتُ عليها منذ صغري لنقدّمها إلى الساحة العالمية." وأقرّ أنّ روّاد المطعم شعروا في بادئ الأمر بالحيرة بسبب النكهات الموجودة في قائمة الطعام الجديدة، "لكنّ أطباقي كانت كفيلةً بتبديد هذه الحيرة."
التصميم الداخلي في مطعم تابيماسو
الشيف سوينيل باهادور يقوم بجولة في الدفيئة الخاصة بالمنتجع
تناولت وجبتي الأولى في منتجع وسبا لو ميريديان جزر المالديف في مطعم فيلا بار آند غريل الذي يفتح أبوابه يومياً لتجارب الغداء والعشاء. في هذا الإطار، أوضح الشيف عساف تسدان، الشيف التنفيذي الذي يشرف على المطاعم الأربعة في المنتجع فضلاً عن فعاليّات الطعام الخاصة، وقال: "نقدّم على وجبات الغداء أطباق البرغر والبيتزا والسندويشات... التي تُعتبر من الوجبات السريعة. أمّا في وقت العشاء، يتحوّل المطعم إلى مطعمٍ للمشاوي حيث تُقدّم أطباق الستيك وثمار البحر".
في هذه الليلة، أصبح مطعم فيلا مسرحاً للشيف سوينيل حيث يستعرض قائمة طعامه الثابتة المؤلّفة من خمسة أطباق ليدلّل ضيوفه بتجربة طعام مشوّقة لم يختبروا مثيلاً لها. وتنتطلق تجربة العشاء بطبقٍ من المقبّلات، يضمّ لقيمات من سمك القاروص وجراد البحر النرويجي، فضلاً عن الأفوكادو وصلصة قائمة على الخيار، فيما يقدّم طبق توم كا كاي بنسخة جديدة زاخرة بالنكهات الخفيفة والمنعشة. علاوةً على ذلك، تم استخدام جذور سوينيل الهندية في طبقَين أساسيّين، هما تندوري سمك الهلبوت المكسوّ بصلصة تحاكي مرقة الدجاج بالزبدة؛ فضلاً عن الإسقالوب مع اليقطين المتبّل وصلصة المانغو حيث يتلاقى القوام المميّز مع النكهات الحلوة والحامضة. أمّا الطبق الثالث، فهو لحم بقر واغيو بالزبدة مكسوّ بالكافيار، يُقدّم إلى جانب طبق ريندانغ مع سوربيه جعة الزنجبيل. وتُختتم تجربة الطعام بطبق كبد الإوز مع جيلي الأماريتو وكرز أمارينا وبرش بندق المكاديميا، وتجتمع فيه مرارة اللوز والكرز مع دسامة الكبد.
ولا بدّ لي من القول إنّ طبق الحلويات الختامي كان المفضّل لدي، فصحيحٌ أنّ الحلوى هي نقطة ضعفي، غير أنّ هذا الطبق كان استثنائياً بكلّ معنى الكلمة. ويضمّ شرائح من الخوخ البري المسلوق بدون قشر، مع كريمة الفانيلا، والبانا كوتا السلسة، والتوت الطازج ورقائق من الميرينغ، لكن قوام المرينيغ اللزج والحلو يضاهي روعة نكهة اللوز المحمّص وحموضة التوت.
إسقالوب في صلصة الداشي بالكمأة مع برش الكمأة وقطع الفجل
محطة طهي حي في مهرجان الشمس
في صباح اليوم التالي، توجّهتُ إلى مطعم توركواز الذي يفتح أبوابه طوال اليوم ويقدّم باقةً واسعة من المأكولات. ودائماً ما ذكّرتُ نفسي بأن أتناول طعاماً خفيفاً، لأنّني سأحضر وجبة برانش في جزيرة بودو فينولهو الخاصة بالمنتجع. ولكن، يصعب عليّ مقاومة كلّ هذه الأطايب، لاسيّما ماس هوني، وهو طبق فطور مالديفي تقليدي مؤلّف من التونة المقطّعة مع جوز الهند المبروش الطازج والبصل وعصير الليمون الأخضر، وقد تناولته مع خبز مسطّح طري يُسمّى روشي.
تبعد جزيرة بودو فينولهو مسافة قصيرة عن المنتجع على متن القارب السريع. وتُعتبر المياه المحيطة بها ضحلة جداً لدرجة أنّني أردت القفز من القارب إلى تلك المياه التي تصل إلى ركبتَيّ لأتمشّى إلى الشاطئ. ورحّب بي الشيف سوينيل وفريقه بمشروب شهي وطبق من المقبّلات، وهو محار طازج مغطّى بسوربيه الزنجبيل. صحيحٌ أنّني لستُ من عشّاق هذه المأكولات البحرية، ولكن بعد أن تذوّقت القطعة الأولى من هذا الطبق، لم أستطع المقاومة وتناولت ثلاث قطعٍ أخرى.
أعدّ الشيف طبقَين رئيسيَّين يحتوي كلاهما على مزيج من النكهات والقوامات، ولكن لا بدّ من تذوّق قطع الإسقالوب والفجل في صلصة الداشي بالكمأة، مع برش الكمأة. ولم ينطق أحدٌ بكلمة واحدة لأن الجميع منغمسٌ في النكهات الشهية.
علاوةً على ذلك، يتمتّع كل مطعم في المنتجع بإطلالات بانورامية على البحر، ولكنّ مطعم ريفييرا تاباس آند بار يقع على مرمى حجرٍ من المياه، لذلك استطعتُ التمتّع بمنظر الطبيعة في فترة ما بعد الظهيرة، حيث يجتمع البحر الأزرق مع المساحات الخضراء الغنّاء، بينما أتلذّذ بوجبة غامباس آل بيل بيل المستوحاة من المطبخ الإسباني، وهي عبارة عن روبيان النمر اللذيذ مع مرقة الطماطم، ويأتي مكسواً بالخضروات الطازجة المزروعة في دفيئة المنتجع، ويُقدّم مع خبز العجين المخمّر المحضّر في المنتجع. ويقول الشيف عساف: "إنّه الطبق الأكثر مبيعاً في قائمة الطعام". قد يبدو الخبز غير ضروري في البداية، لكن المتعة الكبرى تكمن في تناول كلّ ما تبقّى من المرقة، بعد التهام كامل كمية الروبيان. لو كنت وحدي، لرفعت الطبق وشربت منه المرقة.
بالإضافة إلى ذلك، لاحظتُ أنّ جميع الخضروات الورقية والأعشاب في الوجبات تبدو وكأنّها محصودة حديثاً. وافترضتُ أنها نُقلت جواً من ماليه، ولكن عندما سألتُ الشيف عساف، اصطحبني إلى الدفيئة التي يمكن التحكّم بدرجة حرارتها، ووجدتُ فيها صفوفاً وصفوفاً من النعناع السنبلي، والنعناع الفلفلي، والريحان، والكزبرة، فضلاً عن ستة أصناف من الخسّ، والسبانخ، وملفوف بوك تشوي، وغيرها من الأعشاب التي تنمو في أنابيب ضمن نظام الزراعة المائية الذي يلتقط أيضاً مياه الأمطار ويعيد تدويرها. يوضح خبير البستنة جوبي توماس: "نزرع ما يكفي من المنتجات الزراعية لتلبية احتياجات المنتجع، وفي بعض الأحيان نقوم بتزويد منتجعات ماريوت الأخرى بها في جزر المالديف. ولا نستخدم المبيدات الحشرية أبداً."
يعتبر المحار المكسو بسوربيه الزنجبيل بمثابة بداية منعشة لقائمة طعام الشيف سوينيل
الدفيئة بنظام الزراعة المائية في المنتجع
تُعدّ الدفيئة واحدة من المبادرات المستدامة الكثيرة التي يقوم بها المنتجع. ففي الواقع، يعمد المنتجع إلى فرز مخلفات الطعام الناتجة عن مطابخه، ويضعها في آلات لتحويل النفايات إلى أسمدة عضوية من أجل إنتاج سماد غني يُستخدم لتخصيب المساحات الخضراء المورقة في الجزيرة. ولا أثر للزجاجات البلاستيكية في المنتجع، حيث يعتمد مصنع تعبئة المياه على تقنية التناضح العكسي ويقوم بتزويد جميع المطاعم والفلل بالمياه المعبّأة يومياً. كما تساهم الألواح الشمسية بنسبة 25-30 في المائة من إجمالي الطلب على الكهرباء، مما يقلل من استهلاك الوقود ويخفض انبعاثات الكربون.
والجدير بالذكر أنّ التونة الطازجة التي تُقدّم في مطعم تابيماسو الياباني المُقام فوق المياه في المنتجع، تُستقدم من مصادر محلية في ماليه. يمتاز هذا المطعم بتصميم فاخر لا يُضاهى، ويفتح أبوابه مساءً من الساعة 6 حتّى 10 مساءً، كما يتمتّع بنوافذ ممتدّة من الأرض حتى السقف حتى يتمكّن روّاده من مشاهدة السماء عند الغروب وهي تبدّل ألوانها من البرتقالي إلى الوردي لتبلغ أخيراً اللون البنفسجي الداكن. وقد وضع قائمة طعام شاملة، لكنني انتقيت سلطة الأعشاب البحرية المتبلة المقرمشة والمنعشة، يليها حساء التانتانمين النباتي الذي يقوم على قاعدة من مرقة السمسم الحار المعتدل، مع وفرة من ملفوف بوك تشوي والتوفو والفطر. وذلك من دون أن ننسى نيجيري السلمون ولفائف التونة الحارة المفضلة لدي. عليه، إذا كنت تواجه صعوبة في اختيار الأطباق، فسلّم الأمر إلى الشيف ودعه يختار لك الطبق الذي سيرضي ذوقك في محطة تيبانياكي للطهي الحي.
رغم وجود ما يقارب 200 منتجع في جزر المالديف، يبقى منتجع وسبا لو ميريديان جزر المالديف مميزاً عن باقي المنتجعات، إذ تعاون مع طهاة وخبراء لمزج المشروبات حائزين على جوائز من مختلف أنحاء العالم، حتى يتمكّن الضيوف من المشاركة في دروس الطهي والتمتّع بتجارب طعام فاخرة أثناء إقامتهم في المنتجع، فضلاً عن استضافته لبرامج استثنائية على غرار مهرجان الشمس.
المهرجان عبارة عن "أمسية مريحة" في المنتجع حيث يمكن للضيوف تجربة الطعام من محطات الطهي الحي حيث يُعدّ الكباب الهندي والسوشي والباييلا والسلطات المصنوعة من الخضروات الطازجة المزروعة في الدفيئة، والمأكولات البحرية المشوية وغيرها من الأطايب. لقد قضيت أمسيتي الأخيرة هنا تحت المساء المرصّعة بالنجوم، فيما أتنشّق الهواء المالح. وحاولتُ جاهدةٌ أن أحفر تجربتي في هذا المنتجع في ذاكرتي مدى الحياة.