عشق كبير لثقافة الباربكيو

عشق كبير لثقافة الباربكيو

الطعام – 09.09.24

من نيران مخيّمات الشعوب الأصلية في الأمريكتين إلى عصر التيك توك، أصبح الباربكيو من المأكولات المفضّلة في أميركا عبر تاريخ طويل من الشدائد والتنوّع والنكهات الاستثنائية

Stephen Phelan
Stephen Phelan
الكاتب

تربو قصّة الباربكيو في أميركا على سنواتٍ عدة. وتشير السجلات إلى أنّ قبائل الشعوب الأصلية في ما نسميه اليوم الولايات المتحدة، فضلاً عن أميركا الوسطى وجزر الهند الغربية، كانت تحفر حفراً لطهي اللحوم على النار منذ آلاف السنوات قبل وصول الأوروبيين إلى أراضيهم. وقد قامت قبيلة تاينو بتعليم كريستوفر كولومبوس كيفية القيام بذلك، وتبنّى المستعمرون البيض الأوائل في الساحل الشرقي هذه الطريقة لطهي اللحوم طوال القرن السابع عشر. (وتجدر الإشارة إلى أنّ المرّة الأولى التي تم فيها ذكر كلمة "باربكيو" كان في العام 1627.)

ومن هنا، انتشر الباربكيو وبخاصةً في مختلف أنحاء الولايات الجنوبية. فأضاءت نيران حفر الطهي السماء على طول نهر ميسيسيبي وحول خليج المكسيك، وكان الفحم المشتعل يتوهّج مثل النجوم الساطعة فوق ولاية تكساس. واليوم أصبح من المعروف أن الباربكيو يشكّل جزءاً أساسيّاً من المطبخ الأميركي، تماماً كما أنّ الجاز يُعتبر جوهر الموسيقى الأميركية. ولا شك أنّ أدريان ميلر يوافقنا هذا الرأي، وإن كان يعلم أن البعض لا يتّفق معه.

وفي هذا السياق، علّق ميلر قائلاً: "يعتبر الكثير من الأشخاص اليوم أنّ الباربكيو الأميركي عادي جدّاً، وأنّه يشكّل جزءاً من تقليد الشواء العالمي." يمتلك ميلر المؤهلات اللازمة ليثبت أنّ هذا الأسلوب في الطهي "خاص ببلدنا" بصفته مؤرّخاً ومؤلفاً لعدّة كتب في هذا المجال، و"باحثاً في مأكولات الروح" كما يُعرّف عن نفسه عبر إنستغرام، ومستشاراً لبرنامج "تحدّي الشواء" عبر منصة نيتفليكس، وحكماً في منظمة باربكيو مدينة كانساس، ناهيك عن كونه خبير شواء بنفسه.

وصرّح ميلر قائلاً: "عند النظر إلى الوقائع، نجد أنّ الأوروبيين لم يتحدّثوا عن الباربكيو، أو استخدموا طريقة الطهي هذه بالسرّ، قبل وصولهم إلى هذه القارة. حتّى أنّ كلمة "باربكيو" لم تكن موجدة على الإطلاق." أمّا عن أسلافه الأميركيين من أصل أفريقي، فيقول ميلر إنّه يودّ أن يصدّق أنّهم كانوا أوّل من اخترع تقنية الباربكيو في أوطانهم الأصلية في غانا أو نيجيريا أو السنغال.

وأضاف قائلاً: "أردت أن أثبت ذلك في بحثي، وأن أتمكن من الصراخ "واكاندا إلى الأبد!" في النهاية، ولكن لم أستطع القيام بذلك." في كتابه الأخير بعنوان "الدخان الأسود: الأميركيون من أصل أفريقي والولايات المتحدة للباربكيو"، يروي ميلر قصّة تهجير العبيد النازحين إلى ولايات جورجيا، وألاباما وميزوري وغيرها وبدئهم العمل في مزارع كبيرة، ليصبحوا فيما بعد خبراء في ها المجال.

وتابع ميلر قائلاً: "نحن نتحدث عن ما قبل 200 عام عندما كان يجب ذبح الحيوان وطهيه بالكامل. فإنّ فكرة شواء قطع أصغر من اللحم تعود إلى القرن العشرين وتشير إلى الانتقال من البيئة الريفية إلى البيئة الحضرية." وبعد إعلان تحرير العبيد، لعب الأميركيون من أصل أفريقي دوراً أساسيّاً في نشر ثقافة الباربكيو من قلب الريف إلى المدن الكبرى. وتابع ميلر قائلاً: "انطلق أصحاب البشرة السوداء، المُحرّرين من العبودية، في رحلات على متن القطارات، والقوارب والعربات التي تجرّها الأحصنة لتحضير الباربكيو على الطريقة الجنوبية في أماكن أخرى من البلد استقّروا فيها. وبحلول تسعينيات القرن التاسع عشر، بدأوا بافتتاح بعض أقدم مطاعم الباربكيو في البلاد على شكل أكشاك وليس بتصاميم فاخرة."

بالإضافة إلى ذلك، يصف ميلر هؤلاء الطهاة وأصحاب المطاعم الرائدين بأنّهم "أوّل عمّال مستقلّين في هذا المجال". ويتحدث في كتابه عن شخصيات مثل هنري بيري، الذي انتقل من غرب ولاية تينيسي إلى مدينة كانساس عام 1905، ويصفه قائلاً: "كان يعمل في الأساس كبوّاب في أحد الفنادق، ثم بدأ في بيع اللحوم المشوية على الباربكيو بالسرّ هناك، واستطاع بعد ذلك جني ما يكفي من المال لفتح مطعمه الخاص عام 1917. ويُعرف بأنّه يعلّم الآخرين كيفية طهي اللحوم ومن بدأ هذا التقليد في مدينة كانساس."

تختلف تقاليد الشواء، حيث تمّ تطوير عدّة أساليب للشواء على مرّ السنوات، وذلك بحسب أنواع الزراعة المعتمدة في المناطق المحيطة وأنواع الحيوانات التي تعيش فيها. وأضاف ميلر قائلاً: "تشتهر مدينة كانساس بتنوّعها الزراعي، لذلك كانت تُعدّ أكبر مصدّر للحوم."

في الوقت نفسه، وجد المهاجرون الأوروبيون الذين أتوا لفتح متاجر لبيع اللحوم أنفسهم أمام فائض يومي من بقايا اللحوم في منطقة مخصّصة لتربية الماشية في وسط ولاية تكساس. وفي هذا السياق، قال ميلر: "قرّر هؤلاء المهاجرين الأوروبيين تدخين بقايا اللحوم وبيعها إلى العمّال في قطاعَي الزراعة والنفط في هذه المنطقة، فأصبحت شرائح صدر لحم البقر أكثر شهر من الباربكيو المحلي. ولا يمكن أن ننسى أنّ ولاية كنتاكي تمتلك مجموعة من التقاليد الخاصة بها حيث كانت تستهلك لحم الضأن والخروف، بينما تشتهر مدن الجنوب بتربية واستهلاك الدجاج." وأضاف أيضاً أنّه لم يتمّ إدراج الأسماك على قائمة أطباق الباربكيو الأميركي بالرغم من أنّه يتم شواء أسماك البوري في بعض مناطق ولاية فلوريدا والسلمون في مناطق شمال غرب المحيط الهادئ.

ولد ميلر في مدينة دنفر، كولورادو، التي لا تُعدّ وجهة شهيرة لتناول الباربكيو، ولكنّ والدته وُلدت وترعرعت في منطقة شرق ولاية تينيسي. كانت والدته تمتلك طريقتها الخاصة في شواء مجموعة مختارة من اللحوم التي كانت تقدّمها مع تشكيلتها المفضّلة من الأطباق الجانبية مثل سلطة الملفوف، وسلطة البطاطا، والفاصولياء المطبوخة.

وفي هذا الإطار، قال ميلر: "يُعتبر الباربكيو عادةً من تجارب الطعام التي يشتهر الرجال بتحضيرها، ولكن في مجتمع أصحاب البشرة السوداء، تلعب المرأة دوراً أساسيّاً في تحضير هذا النوع من الأطعمة وكانت والدتي خبيرة الشواء في منزلنا." وشرح قائلاً إنّه في هذا المجتمع نفسه لا بدّ لك من معرفة كيفية الحصول على "نكهة الفحم الجيدة والقوية" من شرائح الستيك أو قطع اللحم أو أضلاع اللحم التي تختارونها، وعلى الشيف المتمرّس تحضير صلصة أو نقيع لذيذ ليضفي لمسته الخاصة. أمّا بالنسبة إلى والدته، فقد أخذت وصفة الصلصة الخاصة بها عن والدها، الذي كان يعمل في مجال الطهي على طريق السكك الحديدية الجنوبية في أربعينيات القرن العشرين.

Miller’s books delve into the rich history of the cuisine as well as a number of mouthwatering recipes
تتطرّق كتب ميلر إلى تاريخ الباربكيو الغني بالإضافة إلى عدد من الوصفات الشهية.

كان ميلر مهيأً ليصبح خبيراً في الشواء منذ صغره، وكان يصقل مهاراته في هذا المجال أيضاً (حيث يضمّ كتابه بعنوان الدخّان الأسود مجموعة من الوصفات الخاصة به)، ومنذ ذلك الحين، تذوّق كلّ أنواع الشواء المحضّرة محلّياً، واختار مجموعة من الأطباق المفضّلة لديه. وقد ذكر أنّ الأطباق المفضّلة لديه هي تلك التي يتم تحضيرها في مدينة كانساس بالمركز الأوّل، يليها أطباق مدينة ممفيس ولكنّ أطباق الباربكيو الخاصة بولاية تكساس بدأت تنال إعجابه أكثر فأكثر...

في الوقت نفسه، صرّح ميلر قائلاً: "إنّ "طريقة تكساس" لا تشبه طريقة الباربكيو التقليدية أبداً. فقد تمّ ابتكار طريقة تحضير الطعام هذه في أميركا عن طريق حفر خندق وملئه بالحطب وإشعال النار فيه حتى يصبح الفحم ساخناً بما فيه الكافية لشواء اللحم فوقه مباشرة. يتّبعون في تكساس طريقة مختلفة تماماً، حيث يلجؤون إلى الشواء غير المباشر.

يقومون بتدخين اللحم عوضاً عن شوائه. ولكنّني لن أقوم بزيارة إحدى هذه الوجهات وأقول لهم "هذه طريقة خاطئة لتحضير الباربكيو." ولكن على أي حال، تم دمج كلّ هذه التقنيات اليوم." يمكننا القول إنّ هذا وقت غريب لثقافة الباربكيو. فمن جهة، اكتسب هذا المطبخ اليوم شهرةً أكثر من أي وقت مضى، كما يروّج لها الطهاة البارزون على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية. ومن جهة أخرى، يقول ميلر إنّ مجموعة صغيرة من خبراء الشواء المشهورين اليوم يعتمدون طريقة تحضير الباربكيو الأصيلة، على عكس سكّان الريف البيض، ومحبّي موسيقى الجاز الذين لديهم أوشام، والمشاركين في مسابقات الطهي مع أدواتهم الغريبة، وطهاة المطاعم الفاخرة الذين يعتقدون الآن أنّهم مضطرون إلى إظهار مهاراتهم من خلال إتقان فنّ الشواء." ويقول إنّهم أحدثوا معاً تحوّلاً نوعيّاً في هذا المجال، حيث أصبحوا يعتمدون على طريقة شواء متخصصة أكثر من كونها تجارة للطبقة العاملة. وشكّل الجهل المتزايد بدور مساهمة الأميركيين من أصل أفريقي في عالم الباربكيو الدافع الأكبر له لإصدار كتابه بعنوان "الدخّان الأسود".

ويُتابع ميلر قائلاً: "ومع اكتساب ثقافة الباربكيو شهرةً واسعةً، لا تزال البرامج التلفزيونية والمجلات الكبرى بعيدةً كثيراً عن هذا الموضوع. يعشق الناس هذا النوع من المأكولات ويستثمرون فيه كثيراً، ولكن إذا اكتشفت هذا العالم مؤخّراً وتريد فقط معرفة المكان الذي يمكنك التلذّذ فيه بأشهى الأطباق، فلن تستطيع الحصول على كافة التفاصيل." في أيّامنا هذه، يحب الكثير من عشّاق الباربكيو التعرّف أكثر إلى ثقافتَي الباربكيو الحقيقية أو المزيّفة وفقاً لتعريفاتهم الخاصة.

وفي هذا الصدد، يقول ميلر: "بعض المشاركين يريدون فقط المشاجرة، ويحدث ذلك الآن أثناء التمييز بين "الطهي ببطء وعلى نار خفيفة" و"بسرعة على نار مرتفعة." ولكن لا داعي للشجار لأنّه يمكن اعتماد الطريقتَين، حتى لو كان اللحم المطهو بطريقة أسرع يتطلب مضغاً أكثر. وأعتقد أن غالبية الأشخاص يتّفقون الآن على أنّ تحضير اللحم في غضون 15 دقيقة أو أقلّ يُعتبر شواءً فقط، وأي طريقة أخرى يمكن أن تصنّف ضمن فئة الباربكيو."

في الوقت نفسه، يتملّك الحاضرون شعوراً أكبر بالانتماء. ويُعدّ مجتمع الباربكيو في مدينة كانساس خير دليل على ذلك، حيث يضمّ أكثر من 15 ألف عضو يشاركون في عدّة مسابقات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة وخارجها، ويقدّمون أطباقهم الخاصة ليحكم عليها خبير في هذا المجال مثل ميلر، مع احترام تقنيات بعضهم البعض في تحضير الباربكيو.

وأضاف قائلاً: "أعتقد أننا نؤمن جميعنا بأنّ جلسات الشواء قادرة على جمع عشّاق اللحوم معاً على طاولة واحدة. وعادةً ما تكون هذه الجلسات ملؤها المرح، حيث يتشارك الناس حبّ الباربكيو، الذي يُعتبر عنصراً اجتماعياً متجذّراً في ثقافة البلد."

فكّروا في جميع خبراء شواء اللحوم، وكلّ هذه الخلفيات العرقية، وكلّ هذه الوصفات العائلية، الذين يجتمعون حول موقد نار واحد، وسيبدأ استعراض مهارات المطبخ الأميركي بطريقة تعكس الحلم الأميركي.