تمهيداً لما سأخبركم به في ما يلي، سأستهلّ القول بمثلٍ مأثور وهو "في العجلة الندامة، وفي التأنّي السلامة"، لأطلعكم بعدها على تجربتي في بوتان حيث اكتسبتُ فيضاً من المعارف وقدراً كبيراً من الحكمة. كانت مملكة بوتان منطقةً خارجة عن المألوف بكلّ معنى الكلمة، إذ تتّخذ إشارات المرور فيها شكلاً جديداً كلياً، فقد نراها على هيئة رسائل مطلية بخطّ اليد على لوحة صفراء ومتوزّعة على جانب الطريق. فبدلاً من اعتماد إشارات المرور العادية، لجأ السكّان إلى شعارات صريحة ومباشرة تتّسم بروح الدعابة وغالباً ما تلقي الضوء على حقيقةٍ ما، والأهمّ أنّها تعكس الفلسفة التي تتبنّاها هذه المملكة النائية.
في الواقع، تنتهج المملكة مقاربةً فريدة تتعلّق بالتنمية، إذ ركّزت على السعادة القومية الإجمالية بدلاً من الناتج المحلي الإجمالي لصالح سعادة سكّانها الإجمالية، فرسّخت لنفسها مكانةً مرموقة بكونها جنّةً على الأرض. وهي منطقة جبلية تحيط بها جبال الهيمالايا من كلّ حدبٍ وصوب، وتزدان بالأديرة القديمة فيما تغطيها الغابات الغنّاء وتكثر فيها أعلام الصلاة المرفرفة. فتحت المملكة حدودها أمام العالم منذ أقلّ من 50 سنة، ووضعت بعدها مقياساً شاملاً للرخاء، فيما صبّت تركيزها على رفاهية مواطنيها والبيئة الطبيعية فيها، ممّا يُعتبر دليلاً قاطعاً على التزامها بترسيخ وجودها الهادف الذي يحقّق تطلّعاتها.
علاوةً على ذلك، أتاحت لي فنادق كومو فرصة اكتشاف أسعد وجهةٍ على وجه الأرض. ففي خلال خمسة أيام، انطلقت في رحلة من بارو إلى بوناخا برفقة المرشد تشيرينغ والسائق فوربا، لنكتشف معاً بعضاً من عجائب بوتان الثقافية والطبيعية. ويُعتبر محظوظاً مَن سنحت له الفرصة لزيارة هذه المملكة من قبل، إذ أجمع كلّ مَن قصدها على السحر الكامن فيها والكفيل بتحويل حياة المرء رأساً على عقب، فتمتزج فيها الفخامة مع الارتباط العميق بروح البلاد. لذلك، أسعى دائماً إلى التمهّل والتأمّل في روائع الحياة، والاحتفاء بوتيرتها الهادئة، لكي أجد متعة الحياة في أبط ما فيها. وفي ذلك يكمن القدر الأكبر من القوّة.
وما بين لحظة وصولنا إلى هذه البلاد ومغادرتنا، خضنا مغامرات جمّة صعوداً ونزولاً، ونعني ذلك بالمعنى الحرفي للكلمة، إذ نشير إلى الفروقات في الارتفاع، وليس في المشاعر. هبطتُ في مطار بارو الذي يُعتبر من الروائع المعمارية بحدّ ذاته، إذ يقع على ارتفاع 2000 متر فوق سطح البحر وتحيط به القمم المكلّلة بالثلوج. بعدها، سرت على خطى تشيرينغ وفوربا اللذين اصطحباني إلى الطرق الجبلية المتعرّجة باتجاه ممرّ دوتشولا. وحين بلغنا القمة على ارتفاع 3140 متراً فوق سطح البحر، وجدت نفسي واقفةً وسط 108 ضرائح بوذية تكرّم الجنود الذين سقطوا شهداء على مذبح الوطن، ممّا يعكس التزام مملكة بوتان بإرساء السلام. وفي هذه النقطة، تتعالى شامخةً جبال الهيمالايا الشرقية، مع جبل جانجخار بوينسوم الذي يُعدّ أعلى جبل ولم يتمكّن أحدٌ من تسلّقه في العالم، وتشمخ معهما عزّة مملكة بوتان، تحت السماء الزرقاء الصافية الباعثة على الراحة. ولكن، تأتي أشعة شمس أكتوبر لتصعّب عليّ التأمّل في روعة هذا المنظر. أمّا استنشاق الهواء النقي من هكذا ارتفاع، فهو تجربةٌ لم أختبرها قط وقد لا تتكرّر أبداً.
ثمّ انطلقنا في رحلة بالسيارة على الطرق المتعرّجة للوصول إلى وادي بوناخا، حيث تكشّفت أمامنا عظمة قلعة بوناخا دزونغ التي يعود تاريخها إلى 300 عام وعُرفت في ما مضى باسم "قصر السعادة الكبرى"، وتقع عند نقطة التقاء نهرَي بو تشو ومو تشو. شُيّدت هذه القلعة في القرن السابع عشر على يد شابدرونغ نغاوانغ نامغيال (مؤسس مملكة بوتان)، وكانت في السابق مقراً لحكومة البلاد، حتّى باتت اليوم المقرّ الشتوي للرهبان (أو ما يُسمّى بالدراتشانغ).
يقع فندق كومو أوما بوناخا في موقع خلّاب بين أحضان الوديان الخضراء ومدرّجات حقول الأرزّ، على بُعد مسافة قصيرة بالسيارة من هذه القلعة. وتصدّر هذا الفندق الصغير عدداً من قوائم السفر الفاخرة على مرّ السنين، إذ صُمّم على طراز النزل، ويضمّ سبا صغيراً يوفّر تجارب عافية تخاطب الحواس (لا بدّ لكم من تجربة جلسة التدليك المميّزة على يد المعالجة نيما)، فضلاً عن مطعم بوخاري الذي يقدّم تجارب طعام فاخرة. وستجدون المرافق نفسها في فندق كومو أوما بارو، ولكن تخيّم عليه أجواء مميّزة وخاصة به.
وما أصعب الاختيار ما بين الأطباق الغربية المُحضّرة من المكوّنات المزروعة محلياً، وتلك المستوحاة من المطابخ الإقليمية والمتأثّرة بالنكهات الهندية، أو الأطباق البوتانية التي تشتهر بها المملكة على غرار حساء البيض بالأعشاب النهرية، أو لحم الياك المطهو على نار هادئة، أو الكاري بالفلفل الحار المقدّم مع الأرز الأحمر المحلي.
بعد أن تناولتُ الفطور في أوّل يوم لي في بوناخا، انطلقنا أنا وتشيرينغ في مغامرتنا الاستكشافية. استهلّينا رحلتنا من الجسر المعلّق، وتوجّهنا بعدها إلى ضريح خمسوم يولي نامغيال الذي شيّدته مؤخراً صاحبة الجلالة آشي تشيرينغ يانغدون. وعلى طول المسارات الوعرة، حافظنا على وتيرة معتدلة، وصادفنا نساء يحملنَ سلالاً ممتلئة ومصنوعة من القصب، فضلاً عن مزارع يحلب أبقاره وأطفالٍ يلعبون في الحقول أو قرب أكوام الأرزّ التي تُحصد وتُجمع على شكل أبراج وتُترك لتجفّ في أشعّة شمس الصباح. كما حرص تشيرينغ على تخصيص بعض الوقت للتعرّف على النباتات الطبية التي تنمو تحت نبات البوينسيتيا الأحمر وتحت أشجار الموز أيضاً. وفي منتصف طريقنا صعوداً، توقّفنا لندفع عجلة صلاة ذهبية دوّارة حيث يتناغم صوت جرسها الرنّان مع تغاريد العصافير.
قد يستغرق الأمر ساعة تقريباً حتّى نصل إلى المعبد متعدّد الطوابق، ويعتمد ذلك على مستوى اللياقة البدنية لدى الفرد ومدى رغبته في التقاط الصور على طول الطريق. ومن أعلى الضريح، يتكشّف الممرّ الخلاب المؤدي إليه، فيما تتلاقى التلال مترامية الأطراف مع مياه النهر المتدفقة بلون اليشم الخلاب. أمّا داخله، فتستقرّ صورٌ لآلهة بوذية تسهر على حماية هذه البلاد. والجدير بالذكر أنّ مذهب فَجرَيانة البوذي هو الديانة الأساسية في هذه المملكة إذ أتى بها الحكيم غورو بادماسامبهافا من فاجرايانا إلى بوتان في القرن الثامن.
لاحظ تشيرينغ اهتمامي بديانته، فزوّدني بمعلومات حول هذا الموضوع طوال الوقت الذي قضيناه معاً. كما اصطحبني للقاء الفنّان يونتن بعد نزهتنا الصباحية في الطبيعة. تعمّق يونتن في حرفة الثانكا التقليدية النابضة بالحياة، حيث تُبتكر لوحات معقدة بواسطة الأصباغ المعدنية وأوراق الذهب. وغالباً ما تُستخدم لأغراض دينية إذ تُبتكر بها أيقونات دينية تصوّر الآلهة ومشاهد من المخطوطات المقدسة، كما تُظهر إخلاص مَن ابتدعها.
أسّس يونتن الاستوديو الخاص به تحت اسم "الثانكا بالأسلوب التقليدي"، وهو يقع على مقربة من معبد شيمي لاخانغ للخصوبة الذي يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر وقد شُيّد للإله دروكبا كوينلي المعروف بتسمية "الإله المجنون". وأخبرني تشيرنغ عن هذا القديس البوذي التبتي غريب الأطوار الذي تحدّى الأعراف بتعاليم خارجة عن المألوف، ممّا أضفى طابعاً من الغموض على زيارتي إلى مملكة بوتان. ومن فيض المعلومات المتوافرة عن هذا الموضوع، يمكن كتابة رواية كاملة عنه.
هذا وشاركني تشيرينغ رغبتي في استكشاف أكبر قدرٍ ممكن من المأكولات المحلية، بالرغم من قصر رحلتنا. كما نجح في فهم ميولي في الطعام، وأدركت ذلك حينما اقترح علي أطباقاً من قوائم طعام كومو المبتكرة بعناية، وقدّم لي الشاي بالزبدة (الذي يشبه قهوة الكيتو بالزبدة، ولكن يُقدّم مع الحبوب المنتفخة إلى جانبه)، أو حين أشار لي إلى أكاليل معلّقة مثل الثوم ومصنوعة من الجبنة الصلبة المجفّفة ("إنها مثل الحلوى، تُستخدم لتبقي السائق يقظاً") كما شاركني مكافأة من فطائر الحنطة السوداء (هوينتاي) أو نودلز "بوتا" القصيرة والسميكة.
لا بدّ لي من ذكر تجربة الطعام الاستثنائية التي تمتّعت بها في مسكن تشيمي لاخانغ، بضيافة فندق كومو بوناخا وتشيرينغ. هناك، أعدّت لي داغو زام مع زوجها تشيرينغ بنجور وليمة تقليدية تضم طبقاً يُدعى "إيما داتشي"، وهو عبارة عن يخنة بالفلفل الحار والجبنة تُعتبر رمزاً للبلاد، ولم يسبق لي أن تذوّقت مثيلاً لها من قبل. بالإضافة إلى ذلك، قدّمت لي تشكيلة من الأطباق الأساسية التي تشتهر بها المملكة، مثل الأرزّ الأحمر، وسلطة الخيار، ونوع من السامبال المصنوع من الفلفل الحار المجفّف بالشمس حيث يُترك على السطح ليذبل، وكاري الدجاج. ولكنّ المفاجأة الكبرى تكمن في أوراق اللفت المقلية، وهي لمسة داغو الإبداعية التي تضفي قواماً فريداً ونكهةً استثنائية على هذه المائدة التقليدية.
وصلت إلى فندق كومو أوما بارو، للمرحلة الأخيرة من رحلتي. يستكنّ هذا الفندق على سفح جبل مميز وسط مدينة بارو وتحيط به أشجار الصنوبر الزرقاء، كما يُقسم إلى نزل رئيسي (كان منزلاً لأحد النبلاء في الماضي) وفلل منفصلة، وقد تمّ تصميمه على شكل قرية بوتانية تقليدية. يتمتّع هذا الفندق بلمسة جمالية مميزة، إذ يجمع الأخشاب المحفورة على الطريقة التقليدية والجدران المطلية على الطريقة اليدوية مع وسائل الراحة المتطورة. كذلك، ستجدون بين ربوعه ملاذ كومو شامبهالا الذي يوفّر تجربة سبا مريحة تجسّد كلّ مبادئ العافية التي تود العلامة العالمية إرساءها، إذ يقدّم باقة من صفوف اليوغا المجانيّة في المساء وعلاجات السبا الآسيوية، فضلاً عن تجربة حمّام فاخرة.
في هذا الصدد، شكّلت حمّامات الأحجار الساخنة جزءاً لا يتجزّأ من الثقافة البوتانية على مدى أكثر من 13 قرناً من الزمن، بحيث تعود إلى القرن السابع وقد تأثرت بالطب التبتي والأيورفيدا الهندية. تستخدم هذه الممارسات مياه النهر والنباتات ولحاء الأشجار العلاجية، ونبات الشيح الرومي العطري. وما يزيد التجربة تميزاً أنّه يتمّ تسخين المياه بواسطة أحجار غنيّة بالمعادن، تُحمّى على النار في الخارج ثمّ يتمّ إدخالها إلى الحمّام عبر فتحة في الجدار. وما إن ترتطم الأحجار البيضاء غريبة الشكل بسطح المياه، حتى تبدأ بإصدار الأزيز والغليان، وبهذا تُسخّن المياه. تعدكم تجربة الاستحمام هذه بتخفيف أوجاع الرأس والعضلات، وبما أنّني على يقين من أن رأس وعضلاتي ستؤلمني بشدّة بعد المشي في الطبيعة، قررت أن أحجز جلسة مدّتها 30 دقيقة.
انتظر تشيرينغ لليوم الأخير من رحلتي ليصطحبني في النزهة المنشودة في قلب الطبيعة، قاصدين موقع بارو تاكتسانغ أو "عرين النمر". بُني هذا المعبد البوذي المقدّس عام 1692، وهو يقع على سفح جبل شاهق على ارتفاع 3120 متراً عن سطح البحر و900 متر عن وادي بارو. وتزعم الأسطورة أنّ الحكيم غورو رينبوشي، إحدى الشخصيات البوذية الموقرة، ركب على ظهر أنثى نمر طائرة انطلقت به إلى كهفٍ ما في هذا المكان، حيث استمرّ بالتأمّل لمدّة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر وثلاثة أسابيع وثلاثة أيام.
Clinging to a precipice in a gravity-defying manner, the Tiger’s Nest is one of the most remarkable feats of architecture in Bhutan.
We begin our pilgrimage at around 8am. I’m raring to go, but have developed the flu overnight, so start with a spinning head and cough – what a disadvantage! It’s a hard, breathless slog to the halfway point. Tshering reminds me softly to take baby steps – what’s the rush? He ensures we stop for snack and water breaks constantly. Phurpa puts his arm out as support for close to every step of the way.
Despite struggling to breathe, I’m adamant to reach the Nest. Thoughts run through my head about how I always reach my goals – and I insist we press on to the next look-out point where it’s suddenly well in sight.
But it’s here I begin to teeter and my pilgrim party draws the line. In Bhutan, time takes on a different rhythm – a measured cadence that allows for introspection, acceptance and appreciation. A whispered reminder from Phurpa that right now my heart is more important than our initial mission makes me accept it’s time to descend.
Heading down, I think about how happy I am to have come this far. I’ve met friends who in a short time feel like family and I’m thrilled to have visited Bhutan.
I’m also reminded of another of those road signs I’ve seen: “Life’s a journey, complete it”. I am here for the ride.
To plan your trip to Bhutan with COMO Hotels visit comohotels.com