تحلّق الصقور عالياً بين الغيوم بحثاً عن الفئران الموجودة بين ربوع حقول فوجيا. أما على مستوى سطح الأرض، وفي هذه المنطقة التي تُعرف بكونها "مخزن حبوب إيطاليا"، فتبرز الدعسوقة الحمراء زاهية أللون على أوراق أشجار الزيتون الخضراء الداكنة. وفي هذا الصدد، قال فيديريكو باسو الذي تملك عائلته هذه المزرعة وغيرها كجزء من شركة زيت الزيتون التي تربو على حوالى 120 عاماً: "يعدّ وجود الدعسوقات على الأوراق علامة جيدّة في الزراعة العضوية".
وأكمل قائلاً: "تحمي الدعسوقة أشجار الزيتون من خلال مهاجمة الحشرات الأخرى التي تعدّ مضرّة للنباتات، وتلتهمها، ممّا يساعدنا على تجنّب استخدام المواد الكيميائيّة". يمثل فريدريكو وأخوه فابريزيو الجيل الخامس من هذه الشركة التي أسسها جدّ جدّهما عام 1904، وقد بدأت الشركة على نطاق صغير وبسيط ينحصر عملها في بيع الزيتون والزيوت النباتية في أرجاء مسقط رأس العائلة في إيربينيا في قلب إقليم كامبانيا.
نشأ الأخوان في هذا المجال وقضيا الكثير من الوقت مع عمّال الشركة خلال عطلتهما الصيفية، ولكنّهما انضمّا رسمياً إلى الشركة عند تولّي فابريزيو قسم المبيعات المحلية عام 2015 واستلام فيديريكو قسم الصادرات عام 2016. ورث والدهما سابينو، وهو الرئيس الحالي، شركة باسو في منتصف الثمانينيات ولعب دوراً بارزاً في ازدهارها فقد ارتقى بها إلى مصاف العالمية.
وقال سابينو في هذا الصدد: "ترك لي والدي شركة تبيع إنتاجها للسوق المحلي فقط. فبالنسبة لي، كانت خطوة توسيع الأعمال غاية في الأهميّة". بدأت علامة باسو بتوسيع نطاق مبيعاتها لتشمل الولايات المتحدة وكندا، أي الوجهتان الأساسيتان للهجرة من إيطاليا، وبالتالي أصبحتا نقطتَي بيع أساسيتين للجالية في الخارج. واستمرت العلامة في التوسّع يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام لتحصد عملاء جدداً في إنجلترا وأستراليا واليابان وكوريا.... أصبحت العلامة اليوم منتشرة في 90 بلداً، منها الإمارات العربية المتحدة حيث تندرج تحت اسم علامة سبينس لتقدم زيت الزيتون البكر الممتاز العضوي من علامة باسو، فضلاً عن زيت الزيتون البكر الممتاز مع الكمأة ومزيج زيت الزيتون المميز من منطقة المتوسط، المستقدم من موردين موثوق بهم في إسبانيا واليونان.
تحتضن مزارع الزيتون العضوي التابعة لعائلة باسو الدعسوقات التي تحمي الأشجار من الحشرات الضارّة
زجاجات زيت الزيتون البكر الممتاز من منطقة المتوسط من سبينس فوود على خط الإنتاج
يفتخر سابينو بهذا الانتشار الجغرافي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ولديه اللذين يصفهما "بالرجلين البسيطين والمتواضعين" واللذين أوكلهما بإدارة الشركة وقيادتها نحو مستقبل زاهر وربّما مضاعفة مبيعاتها الحالية. يعتقد سابينو أنّ المنتج الذي يقدمه بالغ الأهمية، إذ يتناول زيت الزيتون البكر الممتاز عند الفطور مع الخبز كلّ صباح، وأحياناً يضيف ملعقة من السكّر. ولا يمكنه نكران دوره البارز في بقائه بصحّة جيّدة أثناء مشاركته في سباقات الماراثون.
ويقول في هذا الصدد أنّ منطقة إيربينيا التي يعيش فيها في إيطاليا توفّر أسلوب حياة صحياً للمقيمين فيها، إذ تشتهر بإنتاج النبيذ وزيت الزيتون وبعادات الطهي المحفوظة في كتب وصفات الجدّات، وتتمتع بأفضل تنوّع بيولوجي حول العالم. كما تولّد المنطقة حالياً طاقة نظيفة تستمدّها من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
تلتزم علامة باسو بدورها بمعايير الاستدامة، إذ تعتمد منذ العام 2003 على الألواح الكهروضوئية وتعمل منذ ذلك الحين على اتباع استراتيجيات وتقنيات أكثر استدامة للإنتاج. وفي هذا السياق، يقول فيديريكو: "تُعدّ إدارة المياه من أهم عوامل الاستدامة.
يتم هدر حوالى 70% من المياه في الزراعة. لذلك، نعمل على الانتقال إلى نظام يخوّلنا تحديد كمية المياه التي تحتاجها كل شجرة، كما نعمد إلى إعادة استخدام النفايات العشبية وغيرها من المواد لتغذية التربة بالمؤكسدات بهدف مساعدة النباتات على النمو بشكل أقوى".
فيديلي باسو (ثاني شخص من جهة أقصى اليسار)، والد سابينو باسو
زيتون أربكينا
تتنوّع مزارع الزيتون التابعة لعلامة باسو بين مزارع تقليدية ومزارع مكثفة الإنتاج ومزارع مكثفة الإنتاج بدرجة فائقة. تتربّع المزرعة مكثفة الإنتاج بدرجة فائقة في فوجيا وتفترش مساحة 59 هكتاراً تتراصف فيها الأشجار على مقربة من بعضها البعض على طريقة المزارع المعهودة وذلك لتسهيل عملية التقليم والحصاد. أما بالنسبة إلى جودة الإنتاج، فلا تُثمر الأشجار المتراصفة حبّات زيتون مثالية قبل بلوغها 5 سنوات من العمر، غير أنّ إنتاجها يكون بعد ذلك أعلى من الأشجار الأكبر عمراً. يُعرف هذا النوع الإسباني من الزيتون باسم أربكينا، وتستخدمه علامة باسو في مزيج الزيوت الذي تنتجه، لأنّه على حد قول فيديريكو يتميّز بنكهة حلوة مع نفحة من اللوز فيختلف إلى حد كبير عن نكهة الزيتون الإيطالي الكلاسيكي.
وفي هذا السياق، قال فيديريكو: "يُضفي هذا النوع من الزيتون توازناً رائعاً على نكهة الزيت، فيتميز بنكهة فريدة لا تُعدّ حادّة ولا خفيفة". يتولّى فينشينزو فراتا إدارة جميع المواقع الزراعية، وهو صديق سابينو منذ أيام الجامعة والذي يصفه بأنّه "يتشارك قيمنا ومبادئنا لناحية الزراعة البيولوجية والعضوية"، بينما يتولّى الخبير ليوبولدو دي فالكو الذي يتمتّع بخبرة 20 عاماً مع علامة باسو، الإشراف على عملية الإنتاج ويطلعنا هذا الأخير على اختبارات مراقبة الجودة الصارمة التي يخضع لها الزيت قبل تعبئته وبعدها في كل زجاجة.
فيديريكو مع فينشينزو الذي يتولّى إدارة عدد من المواقع الزراعية الخاصة بعلامة باسو
سابينو رئيس الشركة الحالي مع ابنَيه فابريزيو الذي يتولى إدارة قسم المبيعات المحلية وفيديريكو المسؤول عن قسم الصادرات
وقد علّق فابريزيو باسو، إبن سابينو البكر والرئيس التنفيذي لعلامة باسو من منزل العائلة ومقر الشركة في أفيلينو، قائلاً: "يتميّز قسم ضمان الجودة لدينا بالصرامة والدقة، ويؤدّي مختبرنا الكيميائي دوراً بالغ الأهمية في تحليل المنتجات. كذلك، يتعيّن على جميع المورّدين اتباع إرشاداتنا والامتثال لمعاييرنا وتلبية كافة مواصفاتنا"، وينطبق ذلك على كافّة الجهات العاملة ضمن نطاق العلامة داخل إيطاليا وخارجها وصولاً إلى بساتين الزيتون في تونس.
وأوضح فابريزيو أنّ الشركة لم تأخذ على عاتقها زراعة الزيتون سابقاً، بل باتت تفعل ذلك مؤخراً بالتزامن مع تولّيه وأخيه أدواراً فعّالة فيها، فأردف قائلاً: "لاحظنا أهمية الزراعة ومدى ارتباطها بالجانب الصناعي من عملية تصنيع الزيت منذ بضع سنوات فقط. فمن خلالها، أتحنا للعملاء فرصة زيارة أشجار الزيتون التي نستخرج منها الزيت، الأمر الذي يعزّز علاقتهم وثقتهم بنا."
تُزرع أشجار الزيتون بالقرب من بعضها البعض لتسهيل عملية التقليم والحصاد
يتعيّن على جميع الموردين اتباع الإرشادات الصارمة التي تضعها الشركة
بعد جولة في كرم فيلا رايانو، استذكر فابريزيو زياراته لمواقع الإنتاج مع والده عندما كان صغيراً، وقال إنّه كان عازماً على مزاولة العمل في المجال نفسه.
وفي هذا الصدد، علّق قائلاً: "لم أتخيل يوماً أن يكون مستقبلي بعيداً عن عائلتي. لقد درست في نابولي وفي المملكة المتحدة، وعدت فوراً بعد ذلك لأمد يد المساعدة في الشركة. عملت وأخي على طرح أفكار جديدة للشركة، مع العلم أنّنا وجدنا صعوبة في إقناع والدي والجيل الأقدم بها. إلّا أنّ الأمور بدأت تتطوّر مع الوقت، فقد شرعنا في تغيير طريقة مزاولة الأعمال، وفي تقديم تشكيلة أوسع من المنتجات". ويعتبر فابريزيو أنّ المنتج الأساسي لعلامة باسو سيبقى هو المعيار للشركة، على الرغم من أنّ الأسواق الحاليّة تتجه إلى احتضان كافة أنواع الزيوت المنكهّة والمعزّزة بنكهات مختلفة.
"سنعمل دائماً على تحسين زيت الزيتون البكر الممتاز الذي ننتجه، خصوصاً زيت الزيتون البكر الممتاز الإيطالي 100% الذي نعتبره الأفضل جودة في منطقة المتوسط بأكملها".