في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، بدأت دفعات كبيرة من الشباب الصقلّيين تغادر جنوب إيطاليا باتجاه وادي لي في إنجلترا، للعمل في المصانع والحقول الخضراء المغمورة بالمياه، بحثاً عن فرصٍ أفضل. كان والد جو كوليتي واحداً منهم، وسام كاناتيلا أيضاً. وصل كوليتي إلى المملكة المتحدة بعمرٍ صغيرٍ جداً لا يتجاوز 13 عاماً، وبدأ العمل في المزارع المحلية لمساعدة عائلته، وسرعان ما استطاع أن يشتري قطعة الأرض الصغيرة الأولى له، مقرراً بعدها أن يتعاون مع كاناتيلا لشراء موقعٍ أكبر بكثير في منطقة سمولفورد عام 1977.
استلم أحدهما العمليات الزراعية، والآخر قسم البيع والعمليات، واستطاعا معاً أن يبنيا شركة مزدهرة تحمل اسم غلينويل، ويحوّلاها إلى منتِج ضخم يورّد محاصيل الطماطم والفلفل والخيار الطازجة إلى شركائه من المتاجر حول العالم. وبعد مرور 50 سنة تقريباً، يستلم اليوم ولداهما المنصبين نفسهما بعد أن توفي والداهما عام 2010 حيث فصلت أشهر قليلة فقط بين موتهما.
ويقول جو متذكّراً الحقبة حين كانا يزرعان الشتول بنفسهما في البرد القارس: "دخلنا، سام وأنا، هذا القطاع منذ نعومة أظافرنا، لذا ترسّخ حبّه فينا وقررنا أن نطوّره أكثر. لا بدّ من تعقيم الأرض بالبخار كلّ عام، وإلّا لن تنمو المزروعات." وقد استطعنا أن نأخذ منه هذه المقابلة وسط إحدى دفيئات شركته الفسيحة الزاخرة بالألوان. يستمرّ موسم قطاف الخيار البريطاني لمدّة طويلة بدءاً من شهر فبراير، فيتغلغل النسيم العليل في قلب الدفيئات حاملاً رائحة المحاصيل، بدءاً من حبّات الفلفل والطماطم العطريّة التي تبدأ نموها في أوائل شهر أبريل من فصل الربيع، حين حصل لنا شرف زيارة المنطقة.
ويعلّق جو قائلاً: "سيتم شحن عدد كبير من هذه الخضروات إلى سبينس"، مشيراً إلى صنفٍ أحمر غني من فلفل باليرمو على سبيل المثال. ويُكمل: "نتولّى كلّ عمليات الزراعة والتوضيب والتوزيع بصورة ذاتية، وهذا يعني أننا مسؤولون عن سلسلة الإمداد بأكملها، لذا من المهمّ جداً العثور على الشركاء المناسبين لبيع منتجاتنا. نصبّ كلّ اهتمامنا على تقديم منتجات الجودة، وقد لاحظنا أنّ سبينس زبونٌ رائع يُقدّر الجودة."
أصبحت أراضي غلينويل تمتدّ حالياً على أكثر من 100 فدان، موزّعة بين 5 مواقع على الأراضي الإنجليزية، ناهيك عن منطقة إنتاج تتجاوز مساحتها 450 فداناً في إسبانيا، للحفاظ على استمرارية المحصول في أشهر الشتاء، وبهذا تقدّم العلامة منتجاتها على مدار العام. صحيح أنّه لا حول ولا قوة أمام العواصف التي تهب خلال فصل الشتاء في إنجلترا، إلّا أنّ الدفيئات عالية الجودة تحمي النباتات من معظم آثارها السيئة. ويضيف جو: "لا يمكن الحصول على النسبة نفسها من أشعّة الشمس في جنوب إسبانيا، لكن يمكن ابتكار مناخ خاص في قلب الدفيئات والتحكّم بجميع العوامل التي قد تؤثر في النباتات."
يشغل مات سيمون منصب رئيس قسم الزراعة في غلينويل منذ أكثر من 20 عاماً، وسيخبرنا في ما يلي عن الأنظمة الشاملة المستخدمة للتحكم بالمياه والحرارة والرطوبة والتهوئة وتوزيع الهواء للاعتناء بكلّ نوعٍ من النباتات بحسب احتياجاته. ويقول إنّ التقنيات المستخدمة في الزراعة المتطورة أصبحت شبيهة جداً بتقنيات الزراعة التقليدية، والفارق الوحيد أنّ النباتات تُزرع في المختبر ضمن ألواح من الصخور البركانية، بدلاً من زراعتها في الأرض الخصبة. أطلقت العلامة تشكيلة منتجاتها العضوية عام 2004، وقد شغلت منذ ذلك الحين قطعة الأرض الرئيسية المخصصة للشركة، والممتدة على 5 فدانات من الأرض، اشتراها والد جو عندما بلغ 17 عاماً من العمر.
ويؤكّد مات: "هذا ما يجعلها مميزة. كذلك، يبذل المزارعون هنا قصارى جهدهم لتعزيز خصوبة التربة إلى أقصى حد." وهذا يعني استخدام الأسمدة والمشتقات الطبيعية لتحفيز النمو، وإدخال مفترسات طبيعية إلى المنظومة الحيوية مثل العث والدبابير الطفيلية للقضاء على الحشرات المضرّة بالنباتات، فضلاً عن إحضار قفران كاملة من النحل الطنان لتلقيح هذه النباتات حتّى تحقق أقصى فائدة منها.
ويشير مات: "عادةً ما يتكاثر الخيار بالتلقيح الذاتي، لكنّ تلقيح الفلفل والطماطم والخيار والباذنجان يكون أفضل عبر النحل، لذا نحاول أن نطلقه في جميع المواسم." تزيد كلّ هذه الأنشطة الطبيعية من التنوع الحيوي وتساعد في الحفاظ على الاستدامة. فهو يعترف أنّ "الدفيئات الكبيرة قد تستهلك كميات كبيرة من الطاقة"، لاسيّما عند دفن حلقات التدفئة تحت التربة لتنمو الجذور بأقصى سرعة ممكنة في موسم الزراعة. "لذا، نفعل كلّ ما في وسعنا لتقليل استهلاكنا للطاقة."
على سبيل المثال، تسحب أفضل السخانات التي تعمل بالغاز ثنائي أكسيد الكربون من الهواء وتعيد كلّ مكوّناته المتبقية إلى التراب عبر الأنابيب لتغذية المحاصيل. "عملياً، لا شيء يخرج من المدخنة، وتبدو الانبعاثات منعدمة تقريباً." أمّا بالنسبة إلى المياه، فيتمّ جمع كلّ المياه المتبقية حتّى من المزروعات العضوية. "نسقي المزروعات بالكمية المطلوبة من المياه، ونجمع الكمية الزائدة منها ليتمّ تنظيفها وتعقيمها وإعادتها إلى نظام المياه، ممّا يخفف تركيزها بالأسمدة ويحدّ من التلوّث المنقول عن طريق التربة، للمساعدة في تحسين البيئة المحلية." وعلى الرغم من الفعالية والاستدامة التي تعمل بها المرزعة في يومنا هذا، لا يزال المالكان يعبّران عن إعجابهما بالإنجازات التي حققها والداهما بعد أن بدآ من الصفر. ويقول جو: "من الممتع التفكير بالأمر.
فالمصنع الموجود في هذه المنطقة قد تأسس بشكل شبه تام على يد الصقليين." والغريب أيضاً أنّ بعضاً من أجود المكونات المتوسطية الطازجة المعروضة في سبينس، باتت مستقدمة من أعماق هذا الوادي البريطاني الممطر، البعيد كلّ البعد عن منطقة المتوسّط.
يقول المدير التجاري للمنتجات الزراعية في سبينس نيل غيبسون:
تولي سبينس أهمية كبيرة لعلامة غلينويل، إذ إنّها تلتزم بفلسفة ملهمة ترتكز على المذاق الشهي والجودة الفاخرة ومراعاة البيئة، ولا تكتفي بإنتاج كميات كبيرة من المحاصيل فحسب. وبهذا تقدّم أشهى أصناف الخيار العضوية، لأنّها تتمتّع بتركيز أكبر من المكونات الجافة فتكون مقرمشة أكثر وتغدو نكهتها أكثر تميّزاً. من جهته، يتمتّع فلفل باليلارمو بنفحة حلاوة استثنائية. ترقّبوا طماطم سان مارزانو الشهية في عبوات سبينس فوود أيضاً.