لا شكّ في أنّ شجرة الزينة المثالية لموسم الاحتفالات هي شجرة الشوح النورماني التي تُزرع بذورها في مستنبتات زجاجية في جبال القوقاز بجورجيا ثم تُنقل لتزرع في الساحل الدنماركي.
ترين غريس هي مزارعة تكرّس عملها لتموين سبينس بالأشجار، وقد خصصت جزءًا كبيرًا من حياتها لزراعة هذا النوع من الأشجار في مزرعة عائلتها التي تحمل اسم بييرسغوغو، وتقول: "يجب أن تكتسي الشجرة لونًا أخضر رائع وأن تكون أغصانها متناسقة ورأسها جميل، كما لا بدّ أن تكون جذابة وأن تشكّل متعة للنظر".
كان جدّ ترين قد اشترى الأرض من صياد في عام 1900 وجعل منها في بادئ الأمر مزرعة للفاكهة. فنشأت حفيدته وسط البساتين وغابات الصنوبر، حيث كانت تمتطي الخيل عبر التلال والشواطئ، وتساعد في العمل بالمزرعة مقابل الحصول على مصروفها الخاص. ولم تكن قد تعدّت الثالثة والعشرين من عمرها عندما أوكل إليها والداها (والدتها الدانمركية ووالدها الإنجليزي) مستقبل المزرعة في عام 1977. وبعد نصف قرن تقريبًا، ظلت تلك المزرعة التي تغطّي 30 هكتارًا مساحةً حرّة لا تحدّها أيّ أسوار.
وتقول ترين: "الحرية تعني لي الكثير، لذلك فإني أؤمن إلى حدّ بعيد بالمساحات المفتوحة." لقد توقفت ترين عن زراعة الفاكهة في مزرعتها منذ عقدين من الزمن لتركز بصورة شبه كاملة على أشجار الشوح النورماني، وتزرع اليوم ما يصل إلى 30 ألف شجرة سنويًا. وأوضحت قائلة إنّ مزرعة بييرسغوغو مثالية لهذا النوع من الشجر لأنها بالكاد تبعد 500 متر عن البحر.
"ويعني ذلك أن التربة رملية، ما يسمح للأشجار بالنمو ببطء. وبما أنّ درجات الحرارة تكون أكثر ارتفاعًا حيث نحن، فإننا لحسن الحظ بالكاد أن نعاني الصقيع والأضرار التي قد يسببها."
تُلفّ الأشجار بالشِباك قبل شحنها إلى دبي.
تُقطع الأشجار المخصّصة لسبينس في شهر أكتوبر.
تتم تنمية كلّ عيّنة من الأشجار على مدى سبع سنوات، أو حتى وصولاً إلى عشر سنوات إذا كانت أكبر حجمًا، وذلك وفقًا للإرشادات التوجيهية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي فيما يخصّ الإنتاج النباتي المستدام. وتقتضي هذه الإرشادات فعليًا استخدام الأسمدة العضوية وعدم اللجوء إلى العوامل الكيميائية قطعًا. وتشرف ترين على العملية بكامل مراحلها، فتتجوّل في أنحاء المزرعة معتمرةَ قبعتها ومرتديةً مئزرها، وتتأمّل رؤوس الأشجار من مكانها المفضّل عند قمة أعلى تلة.
"يمكنني من هنا رؤية أرضي على امتدادها، ومبانينا والبحر في الأفق، وهو منظر خلاب للغاية. إنه لأمر رائع أيضًا أن أتمكن من رؤية ثمرة جهودي."
وإذ توحي هذه الحياة بالطمأنينة والهناء، فإنّ تمضية العمر بالعمل في هذا القطاع تشكّل أيضًا، في بعض النواحي، صراعًا مضنيًا في وجه التهديدات الدائمة والأبدية التي تطال أشجارها. ويتمثّل أحد هذه التهديدات في الطيور التي تعشش فيها فتثني أغصانها حتى تضعف وتتدلى. أمّا التهديد الآخر فهو الأرانب البرية التي تأكل الشتلات، وهناك أيضًا العشب الذي "لا تحبه هذه الأشجار أبدًا"، على حدّ قول ترين، لأنه يسحب الطاقة بعيدًا عن جذورها. وتتابع قائلة: "لا يمكننا أن نتركه ينمو عالياً حول قاعدة الأشجار لأنه يضرّ بالأغصان السفلية."
وعندما تستخدم ترين في كلامها صيغة الجمع، فهي تعني نفسها ومساعديَها القويين إيميل وإيديث، وهما ثنائي بولندي يساعد منذ فترة طويلة في أعمال الزراعة والصيانة و"التشذيب المستمر للأشجار"، والقطع الذي يبدأ في شهر أكتوبر من كل عام. تُسطَّح كل شجرة بعد قطعها لمدة يومين، كي لا تذوي من "الصدمة"، ثم تُلفّ وتُوضّب ضمن رزم تحضيرًا لشحنها، وتحرص ترين بنفسها على وضع علامة على كل شجرة مناسبة للتصدير. وتُعدّ هذه العلامة بحدّ ذاتها ضمانًا لجودة كل شجرة تُشحن إلى سبينس عبر ميناء جبل علي.
تفصل مسافة شاسعة بين الخليج وشواطئ الدنمارك، ولا تزال ترين مندهشة بوجود سوق لأشجارها المخصّصة للزينة في دبي. ويشكّل مناخ الإمارات، من الناحية النظرية، صدمة أخرى شديدة لتلك الأشجار التي لم تعرف سوى البرودة النسبية. لكن ترين تقول إن أشجار الشوح النورماني التي تموّنها "تحافظ على أوراقها الإبرية لفترة طويلة". فإذا حُفظت في حرارة باردة بدرجة كافية، بمعنى أن تكون إعدادات مكيف الهواء على حرارة منخفضة ملائمة لها، فمن المفترض أن تبقى سليمة "لفترة تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر". وتحذّر ترين من الجو الدافئ جدًا الذي قد يسبّب تساقط أوراقها الإبرية بعد أقلّ من شهر.
وعندما تجلسون مع أفراد العائلة حول تلك الشجرة، وتنهمكون بفتح الهدايا أو تتناول الوجبات الخفيفة في موسم الاحتفالات، ستتنشقون حتمًا رائحة الصنوبريات نفسها التي يحملها النسيم الاسكندنافي إلى ترين عندما تقف على قمة أعلى تلة في مزرعة بييرسغوغو.