توجّهت مطوّرة المحتوى الرقمي لدينا، ريما رحمان، إلى فرنسا حديثًا لزيارة منطقتي فرانش كونتيه وأوفيرنيْه-رون-آلب في رحلة تغور في قلب عالم الأجبان
عندما يدعوك مجلس الأجبان الفرنسي ووزارة الزراعة الفرنسية لاستكشاف الأجبان الفرنسية الحِرَفية وتعميق معرفتك بها، وفوق كل شيء تذوّقها، لا يمكن أن يكون الرد إلا بنعم، أو في هذه الحالة، "وي".
اليوم الأول
توجهنا بالطائرة من دبي إلى مدينة ليون في منطقة أوفيرنيْه-رون-آلب، حيث انطلقنا بالسيارة في رحلة استغرقت ثلاث ساعات ونصف، تخلّلتها مناظر خلابة، قاصدين ثاني أكبر قلعة في البلاد. إنها قلعة فور ديه روس الواقعة في قلب بلدة ليه روس ضمن المتنزه الطبيعي الإقليمي لمنطقة أو-جورا. هنا تحترف شركة جورافلور العائلية فن تعتيق جبنة كونتيه، وهي أشبه بإمبراطورية متخصّصة في الأجبان أسّسها محترف تعتيق الأجبان الشهير جان-شارل أرنو.
تحتضن الشركة أضخم كمية من الأجبان وقعت عليها أنظارنا، وتبلغ نحو160,000 قالب مستدير من الأجبان يزن كلّ منها حوالي 45 كيلوغرامًا (أي ما يصل إلى 7,200,000 كيلوغرام من جبنة كونتيه تقريبًا!). ورافقنا كلّ من جان-شارل وفرنسوا روبان، خبير الأجبان الاستثنائي الذي كان بمثابة دليلنا غير الرسمي خلال هذه الرحلة، في جولة خاصة أطلعانا خلالها على قصص توارثتها ثلاثة أجيال من محترفي صناعة الأجبان في الشركة.
تبلغ حصة فور ديه روس من إنتاج أجبان كونتيه الفرنسية نسبة 25 بالمائة، ولا يسعنا سوى تقدير ما يمتلكه جان-شارل من حِرَفية والتزام وشغف في عمله. ويقول فيما ينقر بلطف قالب جبنة كونتيه معتّق لسنة مستمعًا للصوت "ينبغي علينا أن نحترم الجبنة، ويتوجّب على محترفي صناعة الأجبان تسخير حواسهم الخمس للتأكد من جودة الأجبان التي يعملون على إنتاجها."
بعد قيامنا بجولة على أقبية تخزين الأجبان الشبيهة بالمتاهة، وتذوّق ثلاثة أصناف غنية ومعقّدة الطعم من الكونتيه (تتراوح فترة تعتيقها بين 18 و24 و36 شهرًا) ونحن برفقة جان-شارل الذي تذوّق أكثر من مليون صنف مختلف من الكونتيه في حياته، نتوجّه نحو مزرعة ألبان عضوية في جورا يديرها الجيل الخامس من العائلة التي تملكها. هنا يتم إنتاج الحليب الذي يستخدمه جان-شارل وفريقه لصنع ما تذوّقناه من أجبان للتو.
وفيما نجوب انحاء المزرعة الشاسعة يقول فرانسوا "إنه لأمر رائع أن نتصوّر كم صنف وصنف من الأجبان يمكن إعداده من مجرد كوب حليب." هنا تُنتج 60 بقرة من صنف مونبليارد أكثر من 400,000 ليتر من الحليب سنويًا. وبما أن جودة الأجبان تعتمد على جودة الحليب، يتم أخذ عينات منه يوميًا لتحليلها. ترعى الأبقار في هذه المزرعة بسعادة على التبن الطبيعي المخزّن من أجل الحفاظ على عناصره الغذائية، وتتغذّى كذلك على زهور جبال الألب الصفراء العطرة التي تعزّز لون الجبن الخفيف.
وبعد تشبّعنا بالمعلومات، وببعض من أجود أنواع جبنة كونتيه على الإطلاق، والسير لما يقارب 15,000 خطوة، اختتمنا يومنا الأول من جولتنا في عالم الأجبان خير ختام بتناول طبق فوندو الجبنة في مطعم آسر شبيه بالشاليه.
اليوم الثاني
بدأ اليوم الثاني من رحلة الأحلام في عالم الأجبان عند الساعة السابعة صباحًا. وبعد ارتشاف القهوة والاستعداد لبرنامج يومنا الثاني، انطلقنا نحو مصنع الأجبان فروماجري دو أو-جورا لاستكشاف مزيد من أقبية تخزين الأجبان، والاطلاع على كيفية إنتاج جبنة كونتيه والجبنة الزرقاء المعروفة باسم بلو دو جيكس. وبعد عرض مفصّل تلاه المزيد من فرص تذوّق الأجبان، انطلقنا في المرحلة التالية من الرحلة إلى ما يعرف بلقب "فينيسيا جبال الألب الفرنسية"، وهي مدينة أنيسي في منطقة أوفيرنيْه-رون-آلب الواقعة في جنوب شرق فرنسا.
تبتعد أنيسي مسافة قصيرة بالسيارة عن جنيف، وهي مشهورة بشوارعها المرصوفة بالحجارة وقنواتها المتعرجة ومتاجرها الصغيرة الجذابة. في هذه الأجواء الآسرة، ليس مستغربًا أن تكتسب أنيسي لقب جوهرة أو-سافوا. وبعد غذاء خفيف في براسري إيرما لصاحبها الشهير بُول بوكوز، مضينا في جولة على معالم البلدة القديمة حيث أرشدنا فرانسوا إلى بعض من مواقعه المفضّلة. فقمنا بزيارة صانع الأجبان الحِرَفية ألان ميشيل، ومتجر البقالة المتخصّص سافور ديسّي إيه لا، ومتجر غلاسييه ديزالب، حيث انتظرنا في الطابور لتذوّق أفضل آيس كريم في أنيسي. ثم تلى ذلك عشاء فاخر في بيسترو براسري برونيه المدرج في دليل ميشلان.
اليوم الثالث
بعد تناول فطور من معجنات فيينوازييه الطازجة الغنية بالزبدة، سرنا باتجاه متجر أجبان بيير غيه الذي تأسّس عام 1935 للمشاركة في ورشة عمل لإعداد تحلية فونتينبلو وفنّ تشكيل أطباق الأجبان المتنوعة. استقبلنا بيير غيه عند وصولنا إلى متجره الشهير في أنيسي، والذي تولّى إدارته من جدّيه منذ عام 1982.
حاز بيير، شأنه شأن فرانسوا، على لقب "ميّور أوفرييه دو فرانس" عام 2011، (وهو لقب مرموق يمنح في فرنسا للمحترفين المتنافسين ضمن فئات تجارية). ويعتزّ بيير بأنه لا يرتضي إلا بتقديم أفضل أنواع أجبان منطقة سافوا في متجره، من جبنة ريبلوشون إلى جبنة بوفور والكثير غيرها. ويصحّ القول فعلًا بأن الأجبان المتوفرة لديه لا تضاهى، علمًا أنه يشتري 600 قالب جبنة كونتيه من وزن 45 كلغ سنويًا.
في ورشة العمل، انضمت إليه زوجته وشريكة أعماله صوفي لمشاركتنا أسرار اختيار الأجبان وكيفية تنسيق أفضل تشكيلة ممكنة. وهنا شدّدت صوفي على ما سبق وسمعناه من جان-شارل عن أهمية احترام الأجبان وعدم هدرها.
وبعد إعداد طبق الأجبان وتحلية فونتينبلو التي نالت رضى بيير غيه، توجّهنا لاستكشاف شركة عائلية أخرى يديرها الجيل الثالث، وهي مزرعة فيرجير تيسّو من بساتين التفاح والإجاص، حيث شاركنا في ورشة عمل وسط البساتين الخلابة تعلّمنا فيها كيفية التوفيق بين المأكولات والمشروبات اللذيذة من منطقة سافوا.
اليوم الرابع
استهلينا يومنا الرابع برحلة بالسيارة إلى قرية تالوار المجاورة لبحيرة أنيسي قاصدين مطعم لوبيرج دو بير بيز. يترأس هذا المطعم الشيف جان سولبيس، أصغر شيف فرنسي يحوز على نجمة ميشلان وهو بسن 26 عامًا، ليحوز بعدها على نجمته الثانية بسن 31 عامًا. هنا حظينا بفرصة حصرية للاطلاع على كيفية إعداد طبق "موس دو بوفور دان ليسبري ديزانج" باستخدام الكريمة وجبنة بوفور التي يلقّبها الشيف جان سولبيس باسم "سيدة أجبان الغرويير".
وبعد وجبة رائعة في مطعم الشيف سولبيس الثاني الذي يحمل اسم "لو 1903"، واصلنا برنامج يومنا الرابع بزيارة إلى شميدهاوزر، وهو مصنع أجبان آخر تديره عائلة متخصّصة في إنتاج جبنة توم دوسافو، وريبلوشون، وبوفور.
عدنا أدراجنا إلى البلدة القديمة وأذهاننا متشبّعة بكنوز المعرفة عن الأجبان، ومضينا في استكشاف المزيد من خباياها مختتمين يومنا الحافل بعشاء في مطعم بون بان بون فان، وهو مطعم عصري رائع متخصّص في الأطباق الفرنسية الصغيرة.
اليوم الخامس
لكل رواية جميلة نهايتها، وسرعان ما حلّ اليوم الأخير من تجربتنا الغنيّة في أنحاء منطقتي فرانش كونتيه وأوفيرنيْه-رون-آلب.
قبل العودة إلى مدينة ليون، توجّهنا إلى سلسلة جبال شارتروز لزيارة مصنع الأجبان العائلي فيرم دو بلانتيميه. يتخصّص هذا المصنع في الأجبان غير المبسترة، مثل جبنة الماعز، وجبنة فيسيل، وسان-مارسيلان ذات المؤشر الجغرافي المحمي، وجبنة توم دو شارتروز. وصادفنا خلال جولتنا على المزرعة مائة من الماعز و60 بقرة وقطة واحدة.
أما مسك الختام، فكان فرصة أخيرة لتذوّق المزيد من الأجبان الفرنسية في ليون في زيارة خاصة إلى مصنع الأجبان تيت دور الذي ينتمي إلى مجموعة ليه فرير مارشان، حيث أطلعنا باتريس، أحد الإخوة مارشان الثلاثة، على تشكيلة أجبان مثيرة للإعجاب مع شرح متعمّق حول كل صنف.
بعد تمضية خمسة أيام زاخرة بفرص تذوّق الأجبان، والاستماع إلى روايات ووقائع مثيرة للاهتمام عنها، وزيارة كمًّا من أقبية تعتيقها، والاطلاع على معلومات مذهلة حول إنتاج الأجبان الفرنسية، واكتساب مليون ذكرى وذكرى في هذه الأنحاء الجذابة، حان وقت العودة.
استقليت الطائرة مزودة بحقيبة مليئة بالأجبان الحِرَفية ومعرفة وافية كفيلة بنيل إعجاب فرانسوا، وأنا أخطّط لإقامة أمسية تناول الأجبان التالية مزوّدة بكل ما أحتاجه.
أجبان ينبغي تذوقها
كونتيه
هل تعلمون أنّ إنتاج قالب واحد من جبنة كونتيه بوزن 50 كيلوغرامًا تقريبًا يتطلب حوالي 400-500 ليتر من الحليب؟ تتميّز جبنة كونتيه بمذاق معتدل ومتوازن وشهي للغاية، كما أنها تتصدّر الأجبان ذات تسمية المنشأ المحمية من ناحية حجم الإنتاج. من المعروف أنه كلما طالت فترة تعتيق الأجبان، كلما اشتدّت حدة طعمها. أما جبنة كونته، فكلما طالت مدة تعتيقها، كلما أصبحت نكهتها أكثر تعقيدًا.
بلو دو جيكس
جبنة بلو دو جيكس لها نكهة قوية، وهي مثالية للتذويب فوق البرغر. يتطلب إنتاج 6-7 كيلوغرامات من هذه الجبنة الزرقاء بين 60 و65 لترًا من الحليب، ويتم تعتيقها لمدة لا تقل عن 21 يومًا. وكلما قصرت فترة التعتيق، كلما اعتدل مذاقها وأصبحت كريمية أكثر.
ريبلوشون
يصح القول في جبنة ريبلوشون أن تذوّقها يغيّر نظرتكم إلى الأجبان للأبد. تُصنع هذه الجبنة شبه الطرية من حليب أبقار غير مبستر، وتتميّز بمذاق كريمي معتدل يليه مذاق قوي يشبه طعم المكسرات.
بوفور
تعدّ جبنة بوفور من أرقى الأجبان الفرنسية الجبلية في منطقة سافوا، ويمكن التعرف عليها بسهولة بفضل شكل قعرها المقوّر، وهي أشدّ نكهة من جبنة كونتيه، ولكنها لذيذة بقدرها.