تسمح لنا العودة إلى طرق الطهي القديمة والحفاظ على الوصفات التقليدية واستخدام المكونات المحلية بإحداث تأثير إيجابي على العالم حولنا. اكتشفوا لماذا تُعدّ حركة "سلو فوود" مبادرة ضرورية.
في صيف العام 1986، اجتمعت حلقة من الذوّاقة الإيطاليين في مخزن مطعم اسمه لا بيلا روزين في بلدة فونتانافريدا الصغيرة، وخططوا معاً، بقيادة مؤلف كتب الطعام السياسية الشغوف كارلو بيتريني، لثورة ضد الافتتاح المخطط له لأوّل فرع من فروع ماكدونالدز في روما على مقربة من السلالم الإسبانية.
كانت تظاهرة التحدي التي قادوها في ذلك الموقع مسالمةً ومفعمة بالروح الجماعية وحتى بالمرح، وزخرت بأوعية عملاقة من باستا البيني التي تمّ تشاركها ضمن الحشد. تطوّرت التظاهرة حتى أصبحت حركةً سمّيت بـ"سلو فوود" أي الوجبات البطيئة (على نقيض الوجبات السريعة)، واتخذت طابعاً رسمياً لدى توقيع أعضائها بياناً رسمياً في باريس عام 1989.
أعلن النص الذي شارك بيتريني الشاعرَ والأكاديمي فولكو بورتيناري في صياغته عن الكلمات الآتية: "أمسينا عبيد السرعة... فَلْتقينا جرعات مناسبة من متعة الحواس المضمونة والتلذذ المتأنّي الذي يدوم طويلاً عدوى الحشود الذين يخلطون بين السُعر والفعّالية…" وأسفر بيان المهمّة هذا بعد مرور أكثر من 30 عاماً عن تشكيل شبكة شعبية انتشرت عبر العالم، انطلاقاً من أوروبا، مروراً بالولايات المتحدة وآسيا، وصولاً إلى شبه الجزيرة العربية.
هذا وصرّح الرئيس التنفيذي للحركة في المملكة المتحدة، شاين هولاند، قائلاً: "انطلقنا بصفتنا منظّمة إيطالية إقليمية جداً ولكن أصبح لدينا اليوم تواجدٌ في 150 دولة، وترتكز مهمّتنا على متعة الطعام، وهذا أمر لا بد منه. ولكن إذا تحدّثنا عن ذلك فحيب وغضّينا النظر عن باقي المشاغل، فيكون قد قُضي علينا لأن تغيّر المناخ وفقدان الأرض لتنوّعها البيولوجي قد يؤديان إلى اختفاء الطعام عن الوجود. بعبارة أخرى، عملنا جاهدين لحماية ثقافة الطعام المحلي من الإنتاج والاستهلاك المُعَولمين والصناعيين واضفناه إلى كفاحنا الوجودي لإنقاذ الكوكب."
وأضاف هولاند قائلاً: "لا يهمّ أين أنتم، فلا يخلو أيّ مكان من أزمة في الأنظمة الغذائية، سواء أكان السبب شدّة الحرارة أو البرد أو الرطوبة، أو اجتماع الأسباب الثلاثة في مكان واحد في خلال أوقات مختلفة من السنة." واتسعت دائرة الحركة لتضم الطهاة واختصاصيي التغذية والمزارعين وعلماء البيئة ضمن مجتمعات تُعرف بتسمية "كونفيفيا".
وكرّس الأعضاء المتخصصون هم أيضاً وقتهم لمشاريع ذات صلة مثل اللجنة التنفيذية الدائمة، التي تم تشكيلها لمساعدة منتجي الأطعمة المحلّية على التخفيف من تأثيرهم السلبي على التربة والمياه والرفق بالحيوان. كما تؤدي سفينة المذاق، وهي لائحة افتراضية تدرج الأطعمة المعرّضة لخطر الزوال، دوراً جوهرياً في تحقيق المهمة.
شرح هولاند أهمية تنوع الأطعمة قائلاً: "تُعتبر اللائحة سجلاً يقوم بتعداد أصناف صالحة للأكل معرّضة لخطر الزوال. فلدينا أكثر من 4000 صنف من التفاح في المملكة المتحدة على سبيل المثال، ولكننا لا نأكل منها سوى ثلاثة أصناف و70% منها مستورد. وبالتالي، إن أصيبت تلك المحاصيل القليلة بمرض ما، فسنخسرها."
وهذا ما يحصل حالياً مع فيروس باناما الذي يُتلف صنف كافنديش السائد من الموز؛ ويشكّل هذا بدوره خطراً على الشوكولاتة المستخرجة من شجيرات الكاكاو التي نزرعها إجمالاً في ظلال أشجار الموز. "تتوافر باقة واسعة من أصناف الموز والكاكاو، ولكننا بتنا نخسرها لأننا اخترنا إنتاج أصناف قليلة منها فحسب."
كما تتضمّن لائحة سفينة المذاق المؤلفة من أكثر من 5000 صنف أطباقاً إقليمية بدأت تزول هي الأخرى من ذاكرة الناس، إذ أصبحت العادات الغذائية تعتمد على المكوّنات المُعالَجة والممارسات المتشابهة أكثر من أيّ وقت مضى.
وتحدّث هولاند بهذا الصدد قائلاً: "يمكن لنوع معيّن من الكيك أو الخبز أن يعبّر عن حسٍّ بمكان ما وصِلةٍ بالأرض. ففي إنجلترا مثلاً لدينا أطباق مثل فطيرة الفيدجت وطبق التشايمز. وكلاهما إسمان جميلان يشيران إلى أطايب رائعة."
وأكمل هولاند كلامه بذكر طبقٍ من اختصاص بلدته كورنوال يتم تحضيره بمناسبة كريسماس، وهو فطيرة ستارغازي التي تبرز من قشرتها العليا رؤوس أسماك مخبوزة. وأردف قائلاً: "علينا أن نتمسّك بهذه الأشياء لأنها جوهرية لثقافتنا لا بل لأنها تُحضّر إجمالاً بمكونات مستقدمة محلياً. وما قد يبدو غريباً أو قديماً قد يساعد أيضاً على التخفيف من تغيّر المناخ وخسارة التنوع البيولوجي." بمعنى آخر، يمكن لكل خيار غذائي نتخذه أن يساعدنا على تغيير المسار الحالي.
يدرك هولاند وزملاؤه أن بعض الأشخاص حقاً لا يمتلكون الوقت أو المال لإعطاء الأولوية لهذه الأمور، ولكن عدداً كبيراً من الناس قادرون على إحداث التغيير بأبسط الخيارات اليومية.
واقترح بعض الحلول قائلاً: "يمكننا أن نشتري الطعام من أشخاص نألف أسماءهم ونعرف من أين يستقدمون المأكولات، وندفع سعراً عادلاً في المقابل. كما يمكننا أن نجلس إلى مائدة الطعام، ونعيد الضحك والمحبة إلى تجربة الأكل مع الأحبّاء، ونمهل أنفسنا وقت الاستمتاع بذلك. يمكننا أن نفعل هذه الأشياء البسيطة لنمضي أوقات سعيدة مفعمة باللذة."
اكتشفوا المزيد عن حركة سلو فوود بزيارة موقع slowfood.com وصفحة الانستغرام التابعة لها slowfood_international@