أشهى المخبوزات

احتضن موقع إكسبو 2020 دبي باقة لامتناهية من المعارض الآسرة، بحيث تهافتت أعداد هائلة من الزوار لتراقبها صوتاً وصورة، لذا تخيّلوا مفاجأة ماثيو جونز بعد أن علم أنّ طابور الزوار الذين ينتظرون أمام مخبزه بريد أهيد بات طويلاً لدرجة أنّه التفّ حول المبنى!
ويستذكر ماثيو ذلك الموقف الآن فيما يجلس في مطبخ مخبزه في مدينة إكسبو دبي والذي بات فارغاً وهادئاً إلى حد ما، قائلاً: "كانت مشاركتنا في الإكسبو رائعة إذ ساهمت بشكل كبير في نشر اسم علامتنا. لم يكن لدينا أدنى توقّعات عمّا سيحدث. أذكر جيداً في اليوم الأوّل أنّني كنتُ في المخبز الكائن في الطابق العلوي، أعدّ المخبوزات. نزلت إلى الطابق السفلي عند الساعة العاشرة صباحاً، وفتحت الباب لأجد أكثر من مئة شخص ينتظرونني في الخارج. كان ذلك لا يصدّق!"
وإذا وُجد مكان يصطفّ الزوار أمامه لشراء الخبز وكعكات الدونات (التي يعشقها الكثيرون)، فهو حتماً مخبز بريد أهيد. ويكمل ماثيو قائلاً: "لطالما تواجدت في المطبخ، حيث كانت والدتي حريصة جدّاً على تعليمي الخَبز. منذ صغري، كنت دائماً أحضّر ألواح الشوفان والكوكيز والبراونيز وكعكة الجزر. وهكذا كبرنا ونشأنا في المطبخ". وبعد أن تأكّد من اهتمامه بتحضير المأكولات والمشروبات، عمل ماثيو إلى جانب طهاة مثل شون هيل وسايمون هوبكينسون وفيل هاورد في لندن وذلك خلال الفترة التي شهدت نهضة هذا القطاع في المدينة. بعدها، افتتح مخبز فلاور باور سيتي عام 1999، ثمّ امتلك موقعاً خاصاً به في سوق بورو الشعبي بلندن، قبل تأسيس مخبز بريد أهيد عام 2013.
ويضيف قائلاً: "أسّست مخبز بريد أهيد متّبعاً اتّجاهاً جديداً في عالم الخَبز، ولطالما أردت تعليم الآخرين وامتلاك مخابز لبيع أشهى المخبوزات بالتجزئة." وفي ما يتعلّق بتعليم الخَبز، تجدر الإشارة إلى أنّ معهد بريد أهيد للخَبز يقدّم في يومنا هذا أكثر من 40 دورة، تشمل أساليب الخَبز المعتمدة في اليابان وفي أمريكا الجنوبيّة، بالإضافة إلى طريقة خَبز المنتجات الخالية من الغلوتين وغيرها من الدورات.
يولي ماثيو أهمية كبيرة للتعليم، وقد عبّر عن ذلك قائلاً: "في الأيّام الأولى التي افتتحنا فيها كشكنا الصغير في سوق بورو، غالباً ما كان العملاء يسألون: "ما هو خبز الجاودار؟ وما هو خبز الحنطة؟ وما الفارق بينهما؟" فلاحظنا عندها فضول الجميع لفهم المزيد عن عالم الخَبز. ومن هنا فكّرت في إشراك الأفراد في مخابزنا لتعليمهم أصول الخَبز الصحيحة. لن يتعلّم هؤلاء الخَبز فحسب، بل سيتعرّفون إلى المكوّنات كافة وسيفهمون كيفيّة عملنا، بالإضافة إلى فهم ماذا يحدث في عمليّة الخبز وما تعني كلّ خطوة".

لا شكّ في أنّ مخبز بريد أهيد الذي اتّخذ شكل كشك في سوق شعبيّ، ثمّ تحوّل إلى شركة كبيرة تتّخذ من مدينة لندن مقرّاً لها، تاركاً بصمة في منطقة الشرق الأوسط مع افتتاح متجرٍ دائمٍ في مول الإمارات، قد حقّق نجاحات أبقت ماثيو على انشغال دائم لإنجازها، ولم يكن بوسعه تحقيقها بأيّ طريقة أخرى.
وقد فسّر لنا قائلاً: "لعمليّة الخَبز معانٍ عميقة جدّاً لا يدركها الأفراد. ففي العصور القديمة، اقتصر مركز القرى أو المجتمعات كافّة على وجود دار عبادة ومخبز. ومن هذا المنطلق، أقول إنّه لشرف كبير لأي فرد أن يكون خبّازاً، وأن يمارس هذه المهنة العظيمة!"
"وبالنسبة لي، يشكّل تكرار عمليّة الخَبز جزءاً لا يتجزّأ من يومي، ويمنحني الإحساس بالثقة ووضوح الهدف والقدرة على الإنجاز. صحيح أنّ العمليّة تتكرّر نفسها، إلّا أنّ الخَبز ليس مملاً على الإطلاق، بل يختلف من مرّة إلى أخرى. أنا حقّاً أشجّع الجميع على ممارسة الخَبز بهذه الطريقة، تماماً كحبّ المزارعين للزراعة، أو كحبّ النحل لصنع العسل. أنا أشبَه بالنحلة التي تصنع أشهى أنواع العسل، وأعشق عملي هذا."