ليست التربة موردًا متجددًا، رغم أنّ البعض قد يظنّ خلاف ذلك. وفي هذا الإطار، ننقل إليكم حوارًا أجريناه مع خبراء بشأن أهمية التنوع البيولوجي للتربة والعوامل التي يتوجّب على المزارعين مراعاتها.
التربة غير قابلة للتجدّد. وقد أصبح هذا الواقع مؤخرًا محور حديث الخبراء في هذا المجال. ومن منطلق قلقهم بشأن جذور كوكبنا، فإنهم يواصلون تذكير الجميع بأن "لا بديل عن كوكب الأرض"، على حدّ ما جاء في عنوان كتاب المؤلف مايك بيرنرز-لي عن البصمة الكربونية. في الواقع، تبلغ نسبة الأغذية المزروعة في التربة حوالي 95 بالمئة، ويتدفق عبرها أكثر من 99 بالمئة من المياه العذبة، كما يعيش فيها ما يُقدر بنحو 25 بالمئة من كائنات الأرض، رغم أنّ معظمها متناهي الصغر.
ومع ذلك، فإن تركيبة التربة ذات الطبقات الغنية التي قد تتراكم على مرّ آلاف السنين، قد تُهدر بين عشية وضحاها بفعل عاصفة مطرية واحدة. ووفقًا لهؤلاء الخبراء أنفسهم فإنّ ثلث تربتنا على الأقل قد تتعرّض للتآكل نتيجة الآثار المشتركة الناجمة عن الزراعة الصناعية وإزالة الغابات والتلوث والتغير المناخي. ويظهر الضرر على نطاق واسع في مناطق معيّنة، مثل الصحراء الكبرى، وهو مصدر قلق كبير في منطقة تعتمد فيها معظم المداخيل على الزراعة على نطاق صغير، في حين يُتوقّع أن يتضاعف عدد السكان المحليين بحلول عام 2050.
كما أن المناطق التي تبدو أكثر خصوبة، مثل حقول الذرة في ولاية أيوا في المنطقة الوسطى من أمريكا، قد تدهورت أيضًا إلى حدٍّ كبير من حيث بنية التربة ومحتواها العضوي، على مدى النصف الأخير من القرن الماضي، دون أن يلاحظ أحد ذلك إلاّ مؤخّرًا. ويقول رونالد فارغاس، أمين سرّ الشراكة العالمية للتربة في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في روما، "إنّ العديد من أشكال تدهور التربة غير مرئي، إذ لا يمكن رؤية خسارة الكربون العضوي من التربة، كما لا يمكن رؤية تراكم التلوث فيها، إلى أن نحاول زرع المحاصيل."
ولا يقتصر الأمر على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تؤثر على قدرتنا على زراعة المحاصيل الغذائية. إذ يقول فارغاس: "[التربة] أساسية لتخزين المياه. والتربة الجيدة أشبه بإسفنجة تمتص المطر وتحافظ عليه. وهذا أمر مهمّ لإعادة تدوير المغذيات وتخزين الكربون الذي، لولا ذلك، كان ليتسرّب إلى الغلاف الجوي." وقد أدّى هذا الإدراك إلى تنامي المبادرات الجديدة الهادفة إلى تعزيز صحة التربة حول العالم.
وهذا عنصر أساسي بالنسبة إلى صندوق "وان إيكر فاند" الذي يدعم المزارعين الصغار في تأمين تدابير لحماية التربة، مثل الحراجة الزراعية والزراعة البينية والتسميد، في جميع أنحاء شرق أفريقيا. ومن جانب آخر، فإن مشروع البحث الدولي المهم "سويل غارد"، يستند إلى عمل 25 مؤسسة في 17 دولة للخروج بأدلة جديدة على حالة هذا المحيط الحيوي، والتأثيرات المحتملة الناجمة عن النشاط البشري في العقود المقبلة.
وتقول البروفيسورة بولا هاريسون من الفريق المشارك في مركز البيئة والهيدرولوجيا في المملكة المتحدة، إنّ الهدف العام هو "زيادة الوعي بشأن أهمية تنوع التربة البيولوجي من أجل ضمان عافية البشرية حاضرًا ومستقبلاً". ويمكن أن يتأتى عن الإدارة غير المستدامة للأراضي ما وصفته هاريسون بأنه "تأثيرات متعاقبة على الخدمات التي تقدمها التربة."
أمّا المملكة المتحدة نفسها، التي غالبًا ما تمثّل رمز الرومانسية لما تشتهر به من مناظر طبيعية للمراعي الخضراء، فقد شهدت اختلالاً في تلك الخدمات نتيجة الفيضانات المتكررة في السنوات الأخيرة. ووفقًا لخبيرة صحة التربة البريطانية، البروفيسورة جيني دانغيت، من الممكن خسارة مقدار محصول شتوي بأكمله في حال تشبع التربة بالمياه لمدّة 15 يومًا. وتضيف قائلة إنه من الممكن الحؤول دون حصول ذلك من خلال الحفاظ على بنية تربة شبه مثالية، تحتوي على معادن مثل الرمل والطين، ومزيج متساوٍ من الهواء والماء، ونحو 5 بالمئة من المواد العضوية، ما يستدعي تغيير ممارسات الزراعة لأن "الآلات الثقيلة وتكرّر الزراعة هي الأسباب الرئيسية المؤدية إلى تراص التربة."
وتعرض دانغيت قائمة ضروريات موجّهة إلى المزارعين قد تسهم في تحسين الوضع، ومنها: "الحدّ من حركة الآليات في المزارع... واستخدام النباتات ذات الجذور الكبيرة... وتجربة الحراجة الزراعية باستعمال أشجار سريعة النمو... وما إلى ذلك." وفي حين أنّ أساليب الزراعة العصرية قد نالت سمعة سيئة بسبب الطريقة التي تستغلّ بها الأرض، يشير بعض العاملين في هذا القطاع إلى أن أساليب الزراعة المعتادة تمتلك بدورها إمكانات هائلة للحد من التغير المناخي. فالنباتات الصالحة للأكل التي نزرعها هي أشبه بعجائب منتجة للأكسجين، ويمكن أن تكون المحاصيل "غير مسبّبة لانبعاثات الكربون" إذا تمت إدارتها جيدًا بحيث يتم تحقيق توازن بين الانبعاثات من جهة، والكربون الذي تلتقطه وتخزّنه كل تلك الحبوب والجذوع والجذور من جهة أخرى.
وكما هي الحال في قطاعات أخرى، هناك احتمال بإمكانية تغيير مجرى الأمور من خلال الدمج بين التقاليد الزراعية التي كانت سائدة في الحقبة السابقة للعصر الصناعي، والابتكارات التقنية فائقة الحداثة. وقد وضّحت البروفيسورة دانغيت الوضع على النحو التالي: "قد يكون كوكبنا المكان الوحيد في الكون حيث الظروف مناسبة لتكوّن التربة. ونحن نعتمد على هذه المادة الخارقة لزراعة طعامنا، وهي لا تخذلنا عادة. ولكن، نادرًا ما يرى معظم الناس، وحتى بعض المزارعين، أن التربة هي أكثر من مجرد ’تراب‘."
في الواقع، تقول دانغيت إنّ التربة هي جوهر الأرض، وإن الطريقة الوحيدة لحل مشكلاتنا والتكيّف مع التغيرات المقبلة "هي بالعمل في شراكة مع الحياة الموجودة في تربتنا."